اسطنبول | حمّل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، الدول والقوى الخارجية مسؤولية الأحداث الأخيرة التي شهدتها تركيا، معتبراً أن هذه الدول والقوى تسعى إلى عرقلة النجاحات التي حققتها حكومته في المجال الاقتصادي. وسمى الإعلام الموالي لأردوغان هذه الدول والقوى أنها «استخبارات فرنسا وألمانيا وبريطانيا وأميركا وإيران وروسيا وسوريا وإسرائيل».
ولم يمنع هذا الاتهام الرسمي التركي وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو، من لقاء نظرائه الغربيين في العاصمة القطرية الدوحة على هامش مؤتمر «أصدقاء سوريا» للاتفاق معهم على تزويد المعارضة السورية بالأسلحة الثقيلة والنوعية عبر الحدود التركية. علماً بأن أردوغان ووزير خارجيته لم يتحملا انتقاداً بسيطاً من المسؤولين الغربيين، وفي مقدمتهم المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، في ما يتعلق بعدم احترام أنقرة لأبسط معايير الديموقراطية وحقوق الإنسان.
ثمة سؤال يُطرَح هنا: ماذا كان أردوغان سيفعل لو فعلت الدول الغربية في تركيا كما هو فعل ويفعل في سوريا من خلال تقديم كافة أنواع الدعم السياسي والعسكري والمالي واللوجستي للجماعات المسلحة؟
الا ان كل هذه التناقضات لم تمنع أردوغان من استغلال الأزمة الأخيرة مع ألمانيا لاستفزاز المشاعر القومية لدى المواطنين الأتراك، حيث لا يفوّت أي فرصة في تحدي العالم أجمع، متحدثاً عن قدرة الأمة التركية بهويتها الاسلامية، قائلاً «إن بسم الله واحدة أقوى من ملايين التغريدات على التويتر، كذلك إن التفوه بلا حول ولا قوة الا بالله لمرة واحدة تكفي للتصدي لكل المؤامرات الداخلية والخارجية».
وكان هذا الجانب الديني في أحاديث أردوغان كافياً أيضاً لتحريك الشعور القومي لدى غالبية الأتراك الذين يعيشون في ألمانيا وباقي الدول الأوروبية، وعددهم نحو ٤ ملايين ويشكون تمييزاً عرقياً ودينياً تجاههم. شعور ينتج من الرفض الأوروبي الدائم لضم تركيا إلى الاتحاد بحجة ثقافتها القومية التركية العثمانية الإسلامية. فيما يبدو واضحاً أن القيادات الألمانية ومعها قيادات أخرى أوروبية تستخدم موضوع تركيا كمادة انتخابية؛ فالفتور والتوتر مع أنقرة يرسّخ قناعات الرأي العام الأوروبي السلبية في موضوع تركيا على الرغم من المصالح الاستراتيجية بين الطرفين؛ إذ إن تركيا عضو في الحلف الأطلسي، ونحو ٦٠ في المئة من صادراتها تذهب إلى دول الاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي تستضيف فيه سنوياً نحو ١٠ ملايين سائح أوروبي، ٤ ملايين منهم من ألمانيا فقط.
كذلك زاد عدد الشركات الأوروبية العاملة في تركيا على ١٥ ألف شركة، معظمها من ألمانيا وفرنسا. وفرنسا هي الدولة الثانية الأكثر اعتراضاً على انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي؛ إذ تنتظر أنقرة على أبوابه منذ ١٩٥٩عندما كان عدد أعضائه ٥ فقط، بينما أصبح عددهم الآن ٢7دولة.
يبدو أن كلا الطرفين سعيدان بهذه العلاقة الغرامية التي أطالت فترة خطوبتهما، رغم أنهما يعيان جيداً أن هذه العلاقة لن تنتهي بزواج رسمي أو شرعي وفق الأيديولوجية التركية.
في هذه الحالة ما على الطرفين إلا أن يمثّلا أمام شعبيهما، ما دام الشعور القومي المُطعّم دينياً يخدم حسابات الساسة في أوروبا، وبنحو أقوى في تركيا ذات التاريخ العثماني. تاريخ يبدو أن الأوروبيين هم بحاجة اليه الآن لإمرار مشاريعهم الشرق أوسطية، وخصوصاً في ما يتعلق بسوريا والربيع العربي.
يبقى الحساب الأهم بالنسبة إلى أردوغان وحكومته ودولته هو واشنطن التي يعرف المسؤولون الأتراك أنها الأهم في مجمل حساباتهم الداخلية والخارجية. يفسر ذلك سكوت أنقرة عن انتقاد المسؤولين الأميركيين، على الرغم من أنها كانت أكثر عنفاً وشدة. لأنهم يعرفون جيداً مدى تأثير واشنطن على مجمل سياسات حكومة أردوغان التي لم تتأخر في إرسال رسائل عاجلة للوبي اليهودي في أميركا وفي استضافة رئيس الموساد تامير باردو، في أنقرة الأسبوع الماضي لبحث المزيد من التنسيق والتعاون المشترك ضد سوريا.
لعل القاسم المشترك بين تركيا ومنتقديها الغربيين في موضوع الديموقراطية، وحتى لو كانت وفق المعايير التركية العثمانية التي شاهدها الجميع في ساحة تقسيم، هي الازدواجية والرياء والخطاع والكذب. كل ذلك ظهر في اجتماع الدوحة الأخير، حيث جلس الغربيون مع «الديموقراطي الكبير» داوود اوغلو و«الديموقراطي الأكبر» الشيخ حمد وأمثاله العرب.