على أبواب الانتخابات الإيرانية التي تؤدي فيها وسائل الاتصالات وتطبيقات التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً، خرجت الحكومة الأميركيّة قبل أسبوعين بخبر مفاجئ، تمثّل في رفع عقوبة عن إيران، هي تلك المتعلّقة بالحظر المفروض على مبيع الهواتف والحواسيب الشخصية الأميركيّة والكنديّة على الإيرانيين. هذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها الإدارة الأميركية برفع عقوبة عن عدوّها اللدود منذ بداية التسعينيات، مع دخول الرئيس السابق بيل كلينتون البيت الأبيض. أعلنت الحكومة الأميركيّة أنّ القرار يأتي «دعماً للشعب الإيراني وحرّيته، وللمعارضة الإيرانية خصوصاً، قبيل الانتخابات». ونقلت الصحف الأميركية عن مسؤول رفيع في الإدارة الأميركيّة قوله: «تزايدت جهود النظام الإيراني لخلق طرق أكثر التواءً وشرّاً لمنع تداول المعلومات في إيران، وخطوتنا هذه تأتي كردّ على محاولاتهم»، بينما أعلنت مساعدة وزارة الخارجيّة الأميركيّة للشؤون السياسية ويندي شيرمان: «نحن لدينا من دون أدنى شك اهتمام بالغ بالشعب الإيراني وحياته اليوميّة».
رغم أنّ القرار أتى متأخراً قليلاً كي يكون له أي تأثير فعلي على الانتخابات التي تجرى اليوم، إلاّ أن الولايات المتحدة لم تربط القرار ربطاً كاملاً بهذه الانتخابات، لكنها ربطتها بالمساعدة على الإعداد لأي تظاهرات يمكن أن تنشأ لاحقاً.
بعيداً عن التصريحات الإعلاميّة، ماذا يعني فعلاً هذا القرار على أرض الواقع؟ بعض أخبار الفضائيات العربية ذكرت أنّه بعد هذا القرار «ربما سيصبح بإمكان الإيرانيين اقتناء أجهزة آي فون وآي باد»، علماً أنّ السوق الإيرانية ليست غارقة فقط بهذه المنتجات الأميركيّة، بل إن طهران هي من العواصم الأولى التي تحصل عليها، ولا سيما «الآي فون».
أمّا بالنسبة إلى ماركات الهواتف الأميركيّة الأخرى كـ «موتورولا» أو «بلاك بيري» الكندي، فهي غير مرغوبة في السوق الإيراني، لكن أي منتج يطلبه السوق الإيراني بأعداد كبيرة، يجري تأمينه بسرعة عبر شركات وسيطة، تعمل بمبدأ السلسلة. فعلى سبيل المثال، إذا طلبت شركة أولى، المنتج، من الولايات المتحدة، تكون الشركة الرابعة التي يصل إليها هي التي تصدّره إلى طهران. الأمر الذي يجعل سعر السلعة يرتفع قليلاً، لكنّه يبقى مقبولاً كي يصبح في متناول أيدي الإيرانيين. وهذا الموضوع يباركه الغرب نفسه، بما أنّه غير مستعد بعد للتخلّي عن السوق الإيرانية التي تعدّ 75 مليون نسمة. إذاً عند إزالة هذه العقوبة سيصبح بإمكان الشركات الإيرانية طلب منتجات «آبل»، آي فون» أو غيرها المتعلّقة بالهواتف والحواسيب من الشركات الأميركية، ما سيُسهم في خفض أسعار هذه المنتجات في السوق بنسبة لا يتوقّع أن تتعدى الـ 20 %، لكن حتى الآن، وبعد أسبوعين على الإعلان عن رفع العقوبة، لم تنشأ خيوط العلاقات المباشرة بين الشركات الأميركية والإيرانية بعد.
النقطة الثانية التي تحدّثت عنها الإدارة الأميركية، هي فتح المجال أمام الإيرانيين للتواصل مع الخارج عبر السماح باستعمال متاجر التطبيقات الإلكترونيّة، التي كانت تشملها العقوبات، بما أنّ متاجر تطبيقات الهواتف الذكيّة، تعمل بواسطة البرامج الأميركيّة. بعد رفع هذه العقوبة تقول الإدارة الأميركيّة إنه سيصبح باستطاعة الإيرانيين التواصل معاً كما مع العالم على نحو أسهل بكثير.
لكن حقيقة الأمر أنّ هذا القرار لا تأثير له أبداً على استعمال متاجر التطبيقات أو التطبيقات الاجتماعية نفسها، إذ إنّ الإيرانيين كانوا يلجأون، لتخطّي هذه المشكلة، إلى استعمال «متاجر تطبيقات غير رسميّة» تسمح لهم بالاستفادة وتحميل جميع التطبيقات المجانيّة، من دون تلك التي تتطلّب مقابلاً مالياً لاقتنائها، بما أنّهم لا يستطيعون أن يستعملوا بطاقات ائتمان لدفع المبلغ المطلوب بسبب العقوبات الماليّة المفروضة على البلاد. بعد دخول القرار الأميركي حيّز التنفيذ، سيبقى الوضع هنا على حاله، بما أنّ العقوبات المالية لا تزال مكانها. حتى في موضوع الإنترنت لا يستطيع رفع العقوبة تحقيق أي شيء، بما أنّ هناك فقط بوابة عبور واحدة للإنترنت في إيران تملكها شركة البنى التحتيّة الحكومية الإيرانية (شركت ارتباطات زير سخت) وهي تتحكّم في بوابة الإنترنت والشركات المشغّلة للخلوي إضافة إلى سرعة حزمة الإنترنت.
ورفع العقوبة المذكورة هو المبادرة الثانية للتقرّب من الشعب الإيراني، التي تصدر عن إدارة أوباما، بعد افتتاح وزيرة الخارجية سابقاً هيلاري كلنتون في 2011 «السفارة الافتراضية الإيرانية» على الإنترنت، للتواصل مع الشعب الإيراني.