بعد عمليات كرّ وفرّ بين القوى الأمنية التركية والمتظاهرين في ساحة تقسيم في اسطنبول، حيث يسود الحذر، أخلت الشرطة أمس متنزّه كوجولو في العاصمة أنقرة، قبل ساعات من لقاء تفاوضي بين رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وممثلي المعارضة.
وطلب حزب «العدالة والتنمية» من المحتجين مساءً «مغادرة حديقة غازي فوراً»، وقال إنه «سينظر في إجراء استفتاء بشأن خطط تطوير الحديقة» التي أثارت احتجاجات منذ نحو أسبوعين. وقال نائب رئيس الحزب حسين جيليك في مؤتمر صحافي إن «أصحاب النوايا السيئة أو من يسعون إلى الاستفزاز والبقاء في الحديقة سيواجهون الشرطة».
وبدت الساحة الشهيرة في قلب اسطنبول، في اليوم الثالث عشر للانتفاضة ضد سياسات الحكومة ذات الجذور الإسلامية، خاضعة لسيطرة مكثفة لقوى الأمن، التي تحصنت خلف مدافع المياه على مدخل كل من الشوارع المتفرعة، وذلك في أعقاب مواجهات بين الطرفين استمرت نحو عشرين ساعة، استخدم خلالها المتظاهرون الحجارة وقنابل المولوتوف، حيث تمت إزالة الأعلام واللافتات والحواجز والسيارات المحروقة والبلاط وعبوات الغاز المسيّل للدموع المستخدمة في الاحتجاجات.
ففيما غادر بعض المعتصمين خيمهم تحت المطر، خشية إخلاء الشرطة للحديقة ليل أول من أمس، أصرّ المئات منهم على تمضية ليلة أخرى بلا راحة للدفاع عن «حديقتهم» وأشجارها الـ 600. وفي الساعات الأولى من صباح أمس، وصل عناصر الشرطة مقنعين ومسلحين بالهراوات، فيما كان المتظاهرون غارقين في النوم تحت الخيم التي نصبوها في حديقة غازي وساحة تقسيم، ليستفيقوا على قنابل الغاز المسيل للدموع التي أنذرتهم بأن الهجوم قد بدأ.
وقد اجتاح عناصر الشرطة مركز أتاتورك الثقافي القديم، وانتزعوا منه عشرات اللافتات والصور التي كانت ملصقة على واجهته.
وعلى بعد عشرات الأمتار من أشجار حديقة غازي، حيث بدأ كل شيء في 31 أيار، بدا المتظاهرون في حالة إعياء تملأ الدموع عيونهم، فيما نظرات البعض تائهة في حالة ضياع.
وعلى جانب من الساحة، وقعت أعنف المعارك بين عشرات المتظاهرين والحرس. وتم رمي قنابل مولوتوف أُعدّت مسبقاً على آلية مصفحة، بينما اشتد التوتر في محيط الحديقة بين أنصار المواجهة مع الشرطة وأولئك الذين يفضلون الانتظار سلمياً.
وبعد عشر ساعات من إطلاق الهجوم، بات رجال الشرطة أسياداً على ساحة تقسيم، بعدما تحولت حديقة غازي الى مستشفى ميداني.
وأفادت ممرضة متطوعة بأنه قد تمت معالجة نحو 500 شخص أمس في مراكز العناية الميدانية التي فُتحت أمام المتظاهرين في محيط ساحة تقسيم.
وفي أنقرة، تدخلت الشرطة كذلك في وقت متأخر ليل الثلاثاء لتفريق نحو 5000 شخص كانوا يهتفون «طيب (أردوغان)، استقل». وسعت الشرطة الى إخلاء حديقة كوغولو في وسط العاصمة من عشرات المتظاهرين الذين يعتصمون فيها.
في غضون ذلك، دعا رئيس حزب المعارضة الرئيسي، حزب الشعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلو، الرئيس التركي عبد الله غول، الذي يُعرف بأنه أكثر اعتدالاً من أردوغان، إلى جمع الأحزاب كلها لمحاولة الخروج من الأزمة. وفي السياق، أعلن وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيله، أن الحكومة التركية تبعث بإشارات خاطئة في الداخل والخارج من خلال رد فعلها على الاحتجاجات، ووصف الصور الواردة من ميدان تقسيم في وسط اسطنبول بأنها «مقلقة»، بينما قال وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، إنه يخشى أن تكون السلطات تلعب ورقة «تدهور الوضع والحزم».
وأفادت وزيرة الخارجية الإيطالية، إيما بونينو، بأن التظاهرات في تركيا تمثل «الاختبار الجدي الأول» لانضمام هذا البلد الى الاتحاد الأوروبي، منتقدة «استخداماً غير متكافئ للقوة» في اسطنبول. وفي رد على تهديد أردوغان للمحتجين بأنه «لن يتسامح»، اعتبرت منظمة العفو الدولية أن تصريحاته «ستفاقم العنف». وكان البيت الأبيض قد أعرب عن شعوره بالقلق من محاولات معاقبة أشخاص لممارستهم حرية التعبير في تركيا، ودعا الى إجراء حوار لحل الخلافات بين الحكومة والمحتجين.
(أ ف ب، رويترز)