لم يكن غريباً الفيتو الروسي في مجلس الأمن أخيراً في ما يتعلق بمعارك القصير بعد الفيتوات المتتالية حول الملف السوري مصحوبة بدعم غير محدود ترافق مع فيتوات متساوية من الجانب الصيني. وضع العديد من الخبراء المتابعين لتفاصيل المتابعة الروسية للملفات الإقليمية الشكوك حول صدقية الدور الروسي واستمراره وبالحد الأقصى جرى البحث في الأسعار أو الصفقات التي قد يعقدها الجانب الروسي مع الغرب لتبديل موقفه. خابت الآمال وتبين واضحاً أن روسيا بوتين ــــ لافروف الاتحادية اليوم هي غير روسيا يلتسين التسعينيات.
حاملة الطائرات الروسية الوحيدة في البحر المتوسط وصفقات صواريخ «اس اس 300» التي ألغتها روسيا لإيران، تتحدث عنها علناً لسوريا، رغم عدم وضوح توقيت تسليمها نتيجة ارتفاع نسب التأهب العالمية. والجالية الروسية ما زالت الأكبر بين الجاليات الأجنبية في سوريا.
الرئيس فلاديمير بوتين يستهزئ ممن يشير حتى تلميحاً إلى تدخل أجنبي في سوريا ووزير خارجيتيه سيرغي لافروف يحذّر جدياً من أن مسيرة مناطق التوتر في الشرق الأوسط والأدنى ستكون مؤلمة وطويلة وقد تهدّد فعلياً السلام العالمي، بكلام آخر الولوج الروسي في الشرق الأوسط ليس لصفقات ضيقة ضمن اللعبة الدولية، بل لسبب رئيسي هو اعتماد المواجهة الاستباقية الدفاعية (أو الهجومية كما يروق البعض تسميتها) تجنباً لحصار أو هجوم عدائي يجري الإعداد له. في هذا الإطار، يرسم المتابعون للتحرك الروسي في الشرق الأوسط وصعود حزب الله إلى القصير وريف دمشق أوجه تشابه عديدة، مع اختلاف حجمي الطرفين وإمكاناتهما، ولكن التشابه في الشعور بما يخطط ويُنفذ ضدهما من نفس القوى.
بحسب رأي أحد صانعي الدبلوماسية الروسية في المنطقة ويؤيده في ذلك أحد أهم الصحافيين الروس، فإن الحركة الروسية حالياً ما هي إلا نتيجة عدة أحداث جرت في السنوات العشر الأخيرة سببها «الغرب المعادي لعودة النفوذ الروسي»، بل أكثر من ذلك، لمحاصرته على حدوده وحتى ضمنها بحيث لا يرتاح من مشكلة قبل أن تُخلق له مشكلة أخرى. أهم المحطات التي أزعجت الروس ودفعتهم إلى الدفاع الاستباقي هي:
ـ زرع منظومة الردع الصاروخي من بولندا وتشيكيا إلى تركيا ورومانيا.
ـ محاولة تغيير موقع أوكرانيا الجارة الجيوسياسي بالاعتماد على الاصطفاف الطبقي والسياسي والمذهبي فيها وما حصل في أوكرانيا يشبه في الظرف سوريا، ولكن استطاع الروس احتواء الأزمة الأوكرانية وتحويلها لمصلحتهم، وخاصة بسبب ليّ الذراع الأوكرانية في تمويلها الغاز الروسي والمترتبات المالية المستمرة على أوكرانيا.
ـ الدعم الواضح الذي أعطاه الغرب لجورجيا ودعمها المحاولة الانفصالية لاوسيتيا وأبخازيا، ما أدى إلى استفزاز الروس إلى حد استكمال القوى العسكرية.
ـ إعلان الاتفاق مع طشقند، العاصمة الأوزبكية، لإنشاء قاعدة عسكرية أميركية، فضلاً عن الملف القائم الحالي مع نظام أذربيجان.
ـ وأخيراً ليس آخراً، محاولة الغرب علنية دعم المعارضة في شوارع موسكو وكأنه يريد محاولة تطبيق «الربيع الروسي».
بسبب كل هذه الأسباب والخلفيات وغيرها من الدلائل العديدة، حسب المصدر الروسي وبعض مراكز الأبحاث الروسية، تشابكت ستة موجبات متسلسلة ومتجانسها منع بعضها بعضاً للتصرف الروسي، حالياً تُلخص بالآتي:
1 ـ لا يمكن روسيا أن تقبل الطعن بها في سوريا بعد ما حصل في ليبيا، حيث شعر الروس بأن الغرب، وخاصة فرنسا، وبدعم من الولايات المتحدة، وبصفقة مع القطريين، وُضعوا خارج النفوذ الدولي بعد أن كان من المفترض ألّا تُتخذ أية إجراءات من دون المشاركة الروسية.
2 ـ اعتبار سوريا ساحة المعركة التي ستثبت وتثبت أن روسيا معنية جدياً بأخذ الاعتراف من الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة بوراثتها للاتحاد السوفياتي سابقاً. في هذا الإطار تلعب روسيا قواعد لعبة «صولد البوكر»، ما فاجأ الغرب ذهابها إلى هذا الحدّ، معتقداً أن للروس حداً ما سيتراجعون عنه أو سعراً ما سيقبلون به. وإذ برهنت الأحداث أن روسيا لن تتخلى عن موقع سوريا الجيوسياسي أو عن نافذتها على البحر المتوسط، فضلاً عن تواصلها مع حلفائها الجغرافيين من العراق إلى إيران فشرق آسيا.
3 ـ هذا في السياسة. أما في الاقتصاد، فيتحدث الروس عن محاولة جدّية، إن خسروا والنظام في سوريا، لإضعاف روسيا مالياً من خلال شحن الغاز القطري والنفط الخليجي عبر سوريا إلى أوروبا لتقليل أو إلغاء الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي. لذلك دخلت شركة «غاز بروم» بقوة في مناقصات الغاز في إسرائيل وقبرص ولبنان. ولذلك أيضاً، مدّت روسيا خط ائتمان إلى قبرص العضو في الاتحاد الأوروبي بـ 5 مليارات يورو.
4 ـ القلق الفعلي، لا النظري، من الدور التركي في جميع جوانبه. فبنظر المراقبين الروس، إن تركيا تحلم فعلاً بعودة السلطنة العثمانية، لكنها تصرفت بسرعة ساذجة في تطبيق أو الوصول إلى هذا الطموح من دون التأسيس الثابت لمرتكزاته. هذا التنامي للدور التركي، لو تُرك له ان ينجح دون مواجهة، يهدد الأمن القومي الروسي في عدة جوانب، منها كون تركيا عضواً رئيسياً في حلف الناتو وفيها أكبر حضور عسكري لهذا الملف.
إضافة إلى ذلك، إن العرق التركي ونفوذه في الجمهوريات السوفياتية السابقة مصدر تهديد فعلي لروسيا، بدأ من أذربيجان إلى تتارستان، وتركمانستان وطاجكستان وأوزبكستان وكازاخستان، وصولاً إلى الشيشان. يُضاف إلى محاولة «تعظيم» العرق التركي، الجنوح الفعلي الإسلامي للأتراك في كل ممارساتهم ومحاولة تصديره إلى الجمهوريات ذات الاغلبية الإسلامية المجاورة لحدود روسيا.
5 ـ يعتقد الروس أن الحرب في سوريا هي لدرء حرب على حدودهم وإمكانية عودة تجربة غروزني التي يريد الجميع نسيانها.
6 ـ عكس السياق الطبيعي للزمن، إن دور الأديان المختلفة بات أقوى من عصر التكنولوجيا فيه في عهد الجهل والجاهلية، وروسيا لا تختلف في هذا النمط، حيث هناك تجدد لدور فاعل للكنيسة الأرثوذكسية، مصحوباً باستفاقة ماردية للعرق الروسي وشعار روسيا الأم أو الأمة الروسية.
يقول المرجع الدولي الدبلوماسي والمخضرم إن كل الموجبات أعلاه تجعل الطرف الروسي جدياً في إنجاح جنيف 2 تتمة لجنيف 1 ومع نفس الخطوط الحمر التي وضعت حينها، أي لا شروط مسبقة ولا مفاوضات تؤدي إلى غير ما ذكر أعلاه لإزالة الهواجس المفردة؛ فالتسوية السياسية هي اعتراف بثبات النظام السوري ودعم المحور الذي ينتمي إليه، مروراً بالعراق وإيران وبعض دول البريكس الحليفة، إضافة إلى الصين، وإذا ما نجحت في تحقيق ذلك فهي حكماً تفرض نفسها في ثنائية القيادة الدولية وإلغاء الأحادية التي هيمنت منذ انهيار الاتحاد السوفياتي.
يبقى من الضروري الإشارة ــ بحسب رأي المتشائمين ــ إلى أنه إذا فشلت التسوية السياسية لأسباب وأسباب، فإن الاستقرار العالمي سيكون على المحك، ولا دولة يمكنها أن تطمئن إلى واقعها، بدءاً من لبنان إلى الأردن والعراق وتركيا وإيران ودول الخليج، وستظهر تحالفات علنية تدخل فيها بعض الدول العربية مع إسرائيل وتركيا ضد دول عربية أخرى وإيران. لذلك يشير المرجع الروسي إلى ما ذكرته «الأخبار» في عنوان سابق بشأن ضرورة التوافق على نظام نفوذ عالمي جديد لتجنب الحرب الكبرى. اللافت أن كل الأداء الدبلوماسي الروسي وحركته اللوجستية خلفها، كله يحصل، بحسب المرجع المخضرم، ضمن مفهوم الشرعية الدولية، بما فيها الفيتوات والتزام صفقات السلاح وعدم الاعتراف بمعارضات خارجة عن مفهوم الديموقراطية، عكس الممارسة التقليدية في التدخلات الغربية من بنما إلى نيكارغوا فأفغانستان والعراق.



«الخريف التركي»

نظرية جديدة تطغى على المسرح السياسي التركي، أن الولايات المتحدة استفاقت أخيراً على أن الحليف الاستراتيجي لها بين الشرق الأوسط والبلقان وشرق آسيا أصبح مصدراً رئيسياً للإرهاب الديني، فخرج عن الحدود المرسومة التي اتُّفق عليها، وأن الغرور الأردوغاني بات بحاجة إلى تشذيب، إن لم يُقَل إلى تحجيم.
وكانت «الأخبار» قد طرحت سؤالاً في بداية العام عن إمكانية أن تضحي تركيا بـ 15 سنة من النمو الاقتصادي وتثبيت موقعها على الساحة الدولية كدولة ناشئة رائدة وصلت الى المرتبة 13 في الترتيب العالمي.
يدّعي أحد المراقبين ان سياق الأحداث ما قبل «الخريف التركي» ليس صدفة بدأ بذبح الجندي البريطاني ومقتل الجندي الفرنسي والانفجار الارهابي في بوسطن.
كل هذه الاحداث، حسب هذا الرأي، جعلت الاميركي يعيد حساباته ورفع الغطاء عن النظام الديموارهابي في تركيا وإعطاء الدعم والزخم للحركات العلمانية والمجتمع المدني الذين ضاقوا ذرعاً «بالقمع الإسلامي» في ما يتعلق بالحريات العامة والأحوال الشخصية وحقوق الإنسان. كل هذه التطورات ستجذب الأبصار قريباً إلى مدى القدرة التركية على الاستمرار في أداء وتوزيع الأدوار السابقة التي وضعها فيلسوف المرحلة التركية أحمد داوود اوغلو (الصورة) ومنفذها الاول رجب طيب أردوغان.



بوتين | المتوسط جزء من الأمن القومي الروسي

اكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن لروسيا مصالح في منطقة البحر الابيض المتوسط، ترتبط بضمان أمنها القومي. وقال بوتين، خلال زيارته مقر قيادة القوات المسلحة الروسية السبت، «إن هذه منطقة استراتيجية مهمة، ولدينا فيها مصالحنا المرتبطة بضمان الأمن القومي لروسيا الاتحادية». وأضاف: «لذلك بالذات تنوي روسيا خلق ظروف ملائمة لمرابطة سفنها الحربية في البحر الأبيض المتوسط»، مشيراً إلى «أن إعادة المرابطة الدائمة لسفن الأسطول الحربي الروسي في البحر الأبيض المتوسط ليست علامة لقعقعة بالسلاح. لقد عملنا الكثير بمشاركة الشركاء، ومن بينهم شركاء من الدول الاعضاء في الناتو، في ما يخص التصدي لتهديدات المنظمات الارهابية، ومن بينها مكافحة القرصنة». واشار بوتين الى انه يأمل تزويد الاسطول الحربي الروسي بأسلحة وسفن حديثة. وعبر عن أن ثقته بأن البحارة الروس سيبنون علاقات شراكة طيبة مع زملائهم من بلدان حوض البحر الابيض المتوسط وغيرهم من بحارة سفن الدول الاخرى المرابطة في المنطقة.
وتابع بوتين، الذي تزامنت زيارته مع دخول محطة الانذار المبكر الحديثة «فورونيج – أم» الخدمة الفعلية، «ان محطات الإنذار المبكر هي جزء من المنظومة الدفاعية لروسيا الاتحادية. ويجب ان تتميز هذه المحطات بمواصفات تقنية – تكتيكية عالية». واضاف: «وخير مثال على ذلك محطة «فورونيج – ام» التي بإمكانها اكتشاف انطلاق أي صاروخ خلال أقل من ثانية». من جهته، أشار جنرال الجيش سيرغي شويغو الى ان مرابطة سفن الاسطول الحربي الروسي في المتوسط هي «للمحافظة على التوازن الاستراتيجي ومراقبة الأجواء ولحماية مصالح روسيا الاتحادية في تلك المنطقة الملتهبة»، مشيراً إلى أن «كل شيء يجري تحت اشراف هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية».
(الأخبار)