استفاقت الولايات المتحدة الأميركية أمس على أجواء شبيهة بأجواء اليوم الذي تلى هجمات 11 أيلول 2001. خوف وصدمة وإرهاب. عناوين الصحف عبّرت عن المشهد العام «الحزين» وعن «ذهول» المواطنين (مجدداً) وشعورهم «بعدم الأمان» إثر التفجيرين اللذين هزّا مدينة بوسطن أول من أمس. «عمل إرهابي في بوسطن»، «التفجيرات تزعزع الشعور الوطني بالأمان»، «بوسطن بانتظار إجابات»، تلك كانت أبرز العناوين التي تصدّرت الصفحات الاولى من مطبوعات يوم أمس. أما الصور فملأها الغبار والدماء. وبحذر بالغ نشرت بعض المقالات سيناريوهات اقترحت فيها الجهات التي يمكن أن تكون مسؤولة عن هجمات بوسطن، وتراوحت الترجيحات بين تنظيم «القاعدة» و«متطرفين محليين»، وخصوصاً «في ظل التشنّج الحاصل في الداخل نتيجة طرح موضوع حق حمل السلاح على طاولة النقاش بغية تعديله». الرئيس الاميركي باراك أوباما لم يكن حاسماً بدوره في هذا الشأن، إذ قال، في كلمة مقتضبة من البيت الأبيض، إن «السلطات الاميركية لا تعلم حتى الآن ما اذا كان مرتكبو هذا العمل الدنيء والجبان أجانب أم أميركيين». وأشار أوباما، الذي أطلعه مدير مكتب التحقيقات الفدرالي روبرت مولر ووزيرة الامن الداخلي جانيت نابوليتانو ومساعدون آخرين مختصون بالامن القومي، على آخر التطورات، الى أنه «لا يزال هناك الكثير للتحري عنه في اسوأ هجوم على الاراضي الاميركية منذ هجمات 11 ايلول 2001». وأضاف أنه لم يتضح شيء بعد «عن الدافع او عمّن زرع القنابل وفجرها». وأضاف «في كل مرة تستخدم فيها قنابل لاستهداف مدنيين أبرياء يتعلق الامر بعمل إرهابي»، داعيا مواطنيه الى «التيقظ». وأمر الرئيس بتنكيس العلم الاميركي على البيت الابيض حداداً على الضحايا.
وحول التحقيقات الأولية، كشف عميل لـ«اف بي آي»، ريك ديلورييه، في مؤتمر صحافي أمس، «أن التحقيق لن يتوقف في مدينة بوسطن بل سيتوسع. سيكون تحقيقا عالمياً. سنذهب حتى آخر أصقاع الارض لكشف الفاعل او الفاعلين المسؤولين عن هذه الجريمة، وسنفعل كل ما كل ما بوسعنا لاحالتهم الى القضاء». وأضاف «إننا حالياً نستجوب مجموعة متنوعة من الشهود». وأوضح ديلورييه ان «إف بي آي» «لم يكن يملك اي معلومات عن تهديدات محتملة قبل الماراثون». واكد انه لم يرصد اي خطر آخر في بوسطن غداة التفجير المزدوج على هامش ماراثون المدينة، مضيفاً ان التحقيقات تتواصل في نقاط مختلفة من المدينة لكن «ليس هناك اي اخطار اخرى معروفة».
وحرص حاكم ولاية مساتشوسيتس، من جهته، على التوضيح ان قنبلتين فقط انفجرتا الاثنين في بوسطن وانه لم يعثر على اي عبوة ناسفة اخرى. وأعلن قائد الشرطة إد ديفيس حصيلة جديدة للضحايا هي «176 جريحاً 17 منهم في حالة حرجة، اضافة الى ثلاثة قتلى».
حدث بوسطن هزّ العالم وقادته الذين تسابقوا لتسجيل الإدانات والاستنكارات ومشاعر الأسف والأسى. هؤلاء القادة الذين يتجاهلون يومياً قتلى فلسطين والعراق وسوريا وأفغانستان وباكستان وأفريقيا... هبّوا جميعاً لمساندة الشعب الاميركي و«دعمه لتخطّي محنته».
وأجمعت عواصم العالم أمس على إدانة هجوم بوسطن داعية الى «رد منسّق من المجموعة الدولية». الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عرض مساعدة روسيا في التحقيق في «هذه الجريمة الهمجية». وفي برقية وجهها الى الرئيس الاميركي، عبّر بوتين عن قناعته بأن مكافحة الارهاب «تتطلب تنسيقا نشطاً لجهود كل المجموعة الدولية». واعتبر وزير الرياضة الروسي فيتالي موتكوس أن هذه التفجيرات تعتبر بمثابة «تحذير جدي» لروسيا التي تنظم عدة أحداث رياضية مهمة وذلك قبل الالعاب الاولمبية المقررة في سوتشي في 2014. فرنسياً، عبر الرئيس فرنسوا هولاند عن «تضامن فرنسا الكامل مع السلطات الأميركية والشعب الاميركي». وقدّم هولاند تعازيه لأهالي الضحايا. من جهته عبر رئيس الحكومة الايطالية ماريو مونتي عن «مشاعر الاخوة والتضامن» ودان «عمل عنف دنيئاً يثير الاستهجان».
بدوره، دان رئيس المجلس الاوروبي هرمان فان رومبوي «الاعمال المروعة» التي وقعت عند انتهاء ماراثون بوسطن. ودعا فان رومبوي الى «احالة المسؤولين عن هذه الفظاعات الى العدالة» قبل ان يعبّر عن «تضامن الاتحاد الاوروبي مع الشعب الاميركي ودعمه له». من جهتها، عبرت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون عن «صدمتها» ونددت بهذه الاعمال.
من جانبه، عبّر الامين العام لحلف شمالي الاطلسي انديرس فوغ راسموسن عن «صدمته الشديدة» قائلا في بيان «أفكّر بالناس في بوسطن وفي كل الولايات المتحدة». كما دانت إيران «بشدة» الاعتداء بالتفجيرات حسب ما أفاد التلفزيون الرسمي. وقال الناطق باسم الخارجية الايرانية رامين مهمنبارست ان «إيران تدين بشدة مقتل مواطنين أميركيين في بوسطن»، واصفاً الهجوم بأنه «مصدر قلق». وأضاف «لا أحد وفي اي ظرف كان يجب ان يدعم الارهاب والتطرف سواء كان في الولايات المتحدة او في الشرق الاوسط». وعبّر الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز مساء أمس عن شجبه الاعمال «الارهابية» في بوسطن مشيرا الى ان من قام بذلك «يمثل نفسه فلا دين او أخلاق تقبل بهذا الامر». وقدّم الملك تعازيه لأسر الضحايا وشعب الولايات المتحدة باسم شعب وحكومة السعودية، في برقية أرسلها الى الرئيس أوباما.
من جهة اخرى، أعلن منظمو ماراثون لندن ان هذا السباق سينظّم الاحد المقبل في العاصمة البريطانية على الرغم من حادثة التفجيرين. وسجّلت وول ستريت خسائر بعد الاعلان عن وقوع التفجيرين حيث يخشى المستثمرون ان يكون «هجوماً ارهابياً» ما سيثير فترة جديدة من عدم الاستقرار كما قال المحللون. وقدم الرئيس الافغاني حميد قرزاي تعازيه لعائلات الضحايا وعبّر عن «تفهّم الشعب الافغاني لمعاناة الاميركيين». كذلك نفت حركة طالبان الباكستانية أمس أي ضلوع لها في تفجيرات بوسطن. وقال الناطق باسم حركة طالبان الباكستانية احسان الله «نحن نؤمن بمهاجمة الولايات المتحدة وحلفائها، لكننا لسنا ضالعين في هذا الهجوم». وأضاف «ليس لنا أي علاقة بهذا التفجير لكننا سنواصل استهدافهم في أي مكان كان».
(الأخبار، أ ف ب)