إسطنبول | احتفل رجب طيب أردوغان قبل أيام (في 15 آذار) بالذكرى العاشرة لترؤس الحكومة التركية خلفاً لعبد الله غول، الذي استقال من منصبه ليتيح الفرصة له كي يصبح رئيساً للوزراء بصفته زعيم حزب «العدالة والتنمية»، الذي يملك في البرلمان 366 مقعداً من أصل 550. لقد حقق الحزب، الذي تأسس في 14 آب 2002، انتصاره الأول في انتخابات 3 تشرين الثاني 2002، حيث حصل على 36 في المئة من أصوات الناخبين، ليصبح غول معها أول رئيس وزراء لهذا الحزب. وكان أردوغان، الذي أسس الحزب مع رفاقه، وفي مقدّمتهم غول، ممنوعاً من ممارسة العمل السياسي بسبب حكم قضائي سابق ألغته حكومة غول من خلال تعديلات دستورية وقانونية عاجلة، فتحت الطريق أمام أردوغان، الذي دخل البرلمان عبر انتخابات فرعية في مدينة سيرت، مسقط رأس زوجته أمينة، ليصبح رئيساً للوزراء بعد أسبوع.

لكن ذلك لم يساعد أردوغان في محطة مفصيلة من تاريخ المنطقة؛ إذ فشل في إقناع عدد كبير من أعضاء الكتلة البرلمانية لحزبه من تأييد مذكرة لنشر القوات الأميركية في تركيا إبان الحرب على العراق، رغم موقف أردوغان الشخصي المؤيد للتدخل الأميركي في العراق.
إلا أنه، في المقابل، نجح عربياً وإقليمياً في استغلال هذا الرفض لتسويق تركيا جديدة «معادية لأميركا»، وخصوصاً بعد الزيارة التي قام بها غول بداية 2003 لكل من سوريا ومصر والأردن والسعودية والبحرين وإيران لمنع الحرب على العراق.
وفي كانون الثاني 2004، جاءت زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لتركيا لتساعد أردوغان لدخول العالم العربي عبر البوابة السورية، حيث بدأت أنقرة حوارها الفعال مع سوريا وإيران ودول المنطقة لمواجهة تبعات وتطورات العراق المحتل. وهو ما ساعد حكومة أردوغان على إقامة علاقات مميزة وتطويرها مع كل الأطراف العراقية، السنية منها والشيعية والكردية. وجاء التقارب التركي مع حركتي «حماس» و«فتح»، أي الانفتاح على القضية الفلسطينية، عبر التقارب مع دمشق، ليساعد أردوغان على كسب ودّ الشارع العربي وتعاطفه، وخصوصاً بعد موقفه في دافوس وجداله مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة 2008 ـ 2009.
إضافة إلى ذلك، حققت اتفاقيات التعاون الاستراتيجي التي وقعها أردوغان مع سوريا والعراق وليبيا ولبنان والأردن، لتركيا موقعاً متقدماً في المنطقة العربية، بعدما ألغى التأشيرات مع سوريا وبعدها مع لبنان والأردن وليبيا ودول عربية أخرى.
على المستوى الداخلي، استطاع أردوغان أن يحقق رصيداً كبيراً بعدما نجح في حل العديد من المشاكل اليومية للمواطن التركي، وفي مقدّمتها التعليم والصحة والمواصلات والخدمات والاقتصاد وغيره. وأسهم ذلك في زيادة شعبية «العدالة والتنمية» في كل انتخابات برلمانية أو استفتاءات شعبية لتصل إلى 50 في المئة تقريباً في انتخابات 2011. وكان هذا الدعم الشعبي الكبير كافياً لأردوغان كي يبدأ حملته الكبيرة على أعدائه من المدنيين والعسكر، حيث استطاع عبر التعديلات الدستورية أن يقضي تماماً على دور العسكر في الحياة السياسية، وزجّ العشرات من الجنرالات في السجون، بحجة أنّهم يخططون لإطاحة حكومته. وكانت هزيمة العسكر كافية لهزيمة القوى العلمانية بأكملها؛ لأنها كانت تستمد قوتها أساساً من قوة الجيش، حامي حمى الجمهورية العلمانية.
وهكذا سيطر أردوغان وحزبه على جميع مؤسسات الدولة التركية ومرافقها، بما فيها القضاء والجامعات والإعلام والأمن والاقتصاد والمال. ونجح في تطبيق معظم برامجه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعقائدية على طريق تحويل المجتمع التركي إلى مجتمع متدين، كما قال هو شخصياً، إن كان من خلال السماح للمحجبات في دخول الجامعات ومؤسسات الدولة المختلفة، أو من خلال منع الخمور، وحتى السجائر والاختلاط بين الرجال والنساء في العديد من الأماكن.
ولم يبق لأعدائه إلا القليل، بعدما فشل منافسه حزب «الشعب الجمهوري»، الاشتراكي الديموقراطي، في استقطاب الشارع الشعبي التركي المعروف عنه أنه كان دائماً يمينياً. كذلك فشل حزب «الحركة القومية» في التصدي لسياسات أردوغان ومقولاته الإسلامية، التي يبدو أنها باتت أقوى من الشعور القومي، وخصوصاً بعد موجة الثورات العربية، التي يسعى أردوغان إلى إظهارها وكأنها امتداد لمقولات «العدالة والتنمية» التركي، الذي أصبح قدوة لإخوان مصر وليبيا وتونس والمغرب ودول عربية أخرى. لتبقى بعدها سوريا العائق الوحيد، الذي يمنع أردوغان من تحقيق أحلامه في رفرفة علم «العدالة والتنمية» في المنطقة العربية.