أجرى وزير الخارجية الأميركية جون كيري، قبل أسبوعين في المنطقة زيارة «استماع» لعدد من دولها. لكن اسرائيل استُثنيت من جولته. وكان التفسير الأميركي السريع لذلك، أنّ كيري سيرافق الرئيس باراك أوباما في زيارته لكل من القدس المحتلة ورام الله.
ثمة اهتمام دولي لمعرفة ما اذا كانت هذه الزيارة، تعني أنّ الادارة الأميركية قرّرت أن تطلق في ولايتها الثانية إشارة البدء بمعاودة المفاوضات بين الجانب الاسرائيلي والسلطة الوطنية الفلسطينية، واستدراكاً ما اذا كانت أيضاً ستصحح علاقة واشنطن بالسلطة الفلسطينية على مستوى الدعم المالي، وموقفها من مشروع المصالحة الفلسطينية. هذا بالإضافة إلى عناوين كثيرة أخرى.

أجندة الزيارة

ولخص مصدر دبلوماسي مطلع على أجواء زيارة أوباما لكل من اسرائيل ومناطق السلطة، المعطيات التي ستوجه مواقفه خلال هذه الزيارة بالنقاط الأساسية الآتية:
أولاً، الزيارة حُدِّد موعدها استناداً إلى عدّة عوامل ومستجدات رئيسية، تساعد على إعادة تحريك العملية السلمية بين اسرائيل والفلسطينيين. مع التشديد على أن هذه الزيارة لا ترمي إلى دفع المسار الفلسطيني الاسرائيلي الى محطة التسوية النهائية. وجل ما هو مخطط للوصول اليه هو استئناف العملية التفاوضية.
ثانياً، من العوامل المصنفة بأنها ايجابية، وحُدِّد موعد الزيارة على أساسها، تطورات الوضع الفلسطيني الداخلي، الذي يسمح بأن تتخذ الحكومة الاسرائيلية العتيدة (بدفع من قوى اليسار والوسط)، إجراءات تساعد على استئناف التفاوض، كالامتناع عن اتخاذ قرارات بإقامة مستوطنات جديدة. ومثل هذا التطور يسمح بإحداث اختراقات محسوبة في الكواليس يسمح باستئناف العملية التفاوضية.
ثالثاً، في مقابل رأي أوروبي، ولا سيما فرنسي، يرى أن الحوار الفلسطيني الداخلي هو أمر مهم، فإن أوباما سيتمسك خلال زيارته بموقف الادارة الأميركية الذي يحاذر التعامل مع حركة «حماس»، وبالتالي ليس متوقعاً أن يؤيد الاتجاه الرامي إلى تفعيل الحوار بين السلطة الفلسطينية والحركة.
رابعاً، كبادرة محسوبة تجاه السلطة الفلسطينية، سيتخذ أوباما خلال زيارته لرام الله، خطوة «الإفراج عن تسديد أميركا المالية للسلطة الفلسطينية، البالغة مئتي مليون دولار والمجمدة منذ فترة».
خلاصة القول أنّ زيارة أوباما لكل من اسرائيل ورام الله لا تحمل الكثير من الوعود التي يستطيع الرئيس محمود عباس أن يمنّن نفسه بها؛ فهي زيارة تحريك للمسار الفلسطيني ــ الاسرائيلي، مع تسجيل اختراقات تقنية في جداره، لا اختراقات جوهرية.
وبحسب مصادر مقرّبة من عباس، فإن الأخير غير متفاجئ من السقف المنخفض لزيارة أوباما على مستوى مسار عملية التفاوض بين الاسرائيليين والفلسطينيين، وذلك لأنّ الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند كان قد أبلغه منذ صيف العام الماضي، أن القضية الفلسطينية ليس لها مكان بين أولويات أجندة أوباما، ولن تجد لها مكاناً في ولايته الرئاسية الثانية.

لقاء هولاند وعباس

وينقل مصدر كان في عداد وفد الرئاسة الفلسطينية الى قصر الإليزيه، في حزيران الصيف الماضي، لـ«الأخبار» «محضر الكلام» الذي دار بين هولاند وأبو مازن خلال لقائهما. ويقول إنه في الصيف الماضي ذهب الرئيس الفلسطيني الى باريس ليستوضح من الرئيس الفرنسي عن «تفكير الغرب» وبخاصة واشنطن، بخصوص بذل الجهد لمعاودة المفاوضات على المسار الفلسطيني ــ الاسرائيلي.
وبرؤية شرقية لمفهوم الصداقة، وضع أبو مازن على طاولة سيد الإليزيه كل أوراقه، كاشفاً له كل نياته السياسية المقبلة. بداية، كشف لهولاند تفاصيل الرسائل التي تبادلها مع (رئيس الحكومة بنيامين) نتنياهو خلال الربيع الماضي، قائلاً: «أعلنت في رسائلي استعدادي لاستئناف «الحوار» لا «التفاوض»، وأنني لن أبدأ الحوار، إلا بعد أن يثبت جديته، تحديداً، من خلال خطوتين رمزيتين، هما، إطلاق ١٣٠ أسيراً فلسطينياً وإعادة تسليح الشرطة الفلسطينية. أما استئناف التفاوض، فله شرطان: وقف الاستيطان والاعتراف بحدود عام ٦٧».
وعن المصالحة الوطنية الفلسطينية، قال لهولاند إن «الأساس الوحيد للمصالحة الوطنية هو قيام حكومة تكنوقراط، تكون وظيفتها الوحيدة اجراء الانتخابات التشريعية. فإذا فازت «حماس» بهذه الانتخابات فعلى الغرب أن يقبلها ويتعامل معها. وإن تعذر تشكيل حكومة كهذه، فسأمضي في اجراء انتخابات المجالس البلدية».
وهنا وصل أبو مازن الى ما يريده من «صديقه» هولاند، قائلاً: «اذا ساندت فرنسا طلبي في مجلس الأمن حول الاعتراف بالدولة الفلسطينية، عندها يكون هناك تسعة أصوات في مقابل الفيتو الأميركي، ما يسمح بالتفاوض من موقع قوة، ويحرج الولايات المتحدة، وخاصة في هذه المرحلة من الربيع العربي. وإن تعذّر ذلك، ولم تُستأنف المفاوضات مع اسرائيل من خلال منهجية واضحة ومرجعية صحيحة، فرغبتي هي أن انسق مع باريس من أجل التوجه الى الجمعية العامة لإعلان الدولة». وهنا أبلغ أبو مازن هولاند بأن واشنطن طلبت منه تجميد أي مبادرة في المرحلة الحالية، وهددت بإغلاق مكتب المنظمة في واشنطن ووقف المساعدات المقدمة. فكان جواب أبو مازن أنّه يجمد المبادرة اذا جمدت اسرائيل الاستيطان.
خلال تعليقه على طروحات أبو مازن، تهرّب هولاند من تقديم أية أجوبة عملية أو التزام أي موقف محدد، سوى كلامه العام عن أنه يود رؤية دولة فلسطينية، لكن كيف؟ لا إجابة لديه. وأكثر من ذلك، أبلغ أبو مازن بأن الوقت ليس للمبادرات. وكشف له أن الرئيس الأميركي لا ينوي الآن، ولا حتى اذا جدد رئاسته، القيام بأية مبادرة تجاه القضية الفلسطينية. وقال له: نتنياهو ليس رجل سلم، والرباعية مجمدة لأنها أسيرة الموقف الأميركي.
وذهب هولاند الى أبعد من ذلك. في إقفال السبل أمام ضيفه، وذلك حينما أبدى عتباً على الفلسطينيين؛ لأنهم لم يستجيبوا لأفكار طرحها عليهم سلفه نيكولا ساركوزي. وقال لأبو مازن: «لقد أدرتم ظهركم لأفكار باريس حينها، رغم أنها تستطيع مساعدتكم أوروبياً، وبدلاً من ذلك أكثرتم من الثقة بواشنطن».
وفهم أبو مازن أن هولاند يقول له إنك تأتي لطلب نجدة باريس في الوقت المتأخر. وبعد انتهاء الزيارة، فهم أبو مازن سبب موقف هولاند، وهو «إشارات واضحة وصلته من أوباما بإغلاق بابه بوجه عباس». واكتشف أيضاً أن مستشار الأمن القومي الاسرائيلي، كان قد سبقه بعدّة ساعات الى الإليزيه، وسلم هولاند رسالة شخصية من نتنياهو تحذّره من التعامل بإيجابية مع طروحات عباس.
وحتى الآن لا يزال القرار الأميركي هو عدم الاندفاع على مسار التفاوض الفلسطيني ــ الاسرائيلي ، وبدل ذلك إبقاء هذا الملف ممسوكاً من خلال دبلوماسية الإحاطة به، لمنع تسببه بحصول انفجار غير محسوب. وسيكون الملفان الأساسيان الذان سيناقشهما أوباما في اسرائيل، ايران وسوريا. وتؤكد المعلومات أن أوباما وافق على إشراك اسرائيل في أي جهد تخطيطي أو ميداني لإيجاد حل لترسانة سوريا الكيميائية.