أجواء إيجابية جداً عكستها مفاوضات آلما أتا بين إيران ومجموعة «5 + 1»، لم ترق إلى الدخان الأبيض، عبّر عنها أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني سعيد جليلي، ومعه وزير الخارجية علي أكبر صالحي، الذي ينقل عنه أحد زواره قوله أمس، «إن هذا العام سيكون عاماً إيرانياً بامتياز»، في ظل إشارات متناقضة تصدر من عواصم القرار الغربي تثير تساؤلات في طهران التي تبدو متمسكة بتقديرها أن «الجو العام ليس جو حرب وصدام، بل جو صفقات وتسويات»، مشيرة إلى أن «الأطراف كلها ترفع السقوف من أجل تحصيل القدر الأكبر من المكاسب، وانتزاع أكبر عدد من الأوراق».
مصادر قريبة من الوفد الإيراني المفاوض إلى آلما أتا تؤكد أن «أي اختراق حقيقي لم يحصل» في جلسات التفاوض على مدى اليومين الماضيين، وإن كان «النهج الذي اتبعته الـ5+1 للتقارب مع الموقف الإيراني خلال المفاوضات النووية يتّسم بالمرونة»، بحسب تعبير أمين المجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي الذي قال إن «المرونة التي أبدتها 5 + 1 تدل على مدى توجه هذه الدول نحو تغيير الاستراتيجية المُتّبعة حيال إيران، إذ من شأنه أن يكون منعطفاً مهماً في مسار التفاوض».
وتقول المصادر الإيرانية الرفيعة المستوى إنها «المرة الأولى التي تتراجع فيها الولايات المتحدة عن ممارسة سياسة الترغيب والترهيب. لم تجرؤ على استخدام أسلوب العصا والجزرة».
وتوضح أن المؤشرات الأولى، عشية بدء المفاوضات الثلاثاء، «كانت تفيد بأن الوفد الغربي يعتزم طرح مبادرة، إسرائيلية المصدر، يمكن اختصارها بمعادلة 3 في مقابل 3». وتضيف أن المقصود كان عرضاً بتخفيف الحصار في ثلاثة أبواب: الحركة المصرفية والتعاملات بالذهب وحظر تصدير البتروكيميائيات، وذلك في مقابل 3 تعهدات إيرانية: وقف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة، وإغلاق منشأة فوردو النووية القريبة من قم، وإخراج مخزون اليورانيوم المخصب 20 في المئة من إيران»، مشيرة إلى أن «الأميركيين لم يتمكنوا حتى من أن يفرضوا هذا الطرح على زملائهم في 5 + 1، وهو ما فرض أن يحصل الضغط في مكان آخر، ويفسر بالتالي التحرك الجديد في الكونغرس الأميركي»، في إشارة إلى مشروع قانون قدمه النائبان، الجمهوري ايد رويس رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، والديموقراطي اليوت انغلز، أبرز الديموقراطيين في اللجنة، لتوسيع العقوبات الاقتصادية على إيران، ويهدف إلى إرغام دول مثل الصين على تقليل مشترياتها من النفط الخام الإيراني.
وكشف جليلي، الذي يرأس طاقم التفاوض الإيراني، أن جولة المفاوضات المقبلة ستُعقد في آلما أتا أيضاً مطلع نیسان المقبل، مشيراً إلى أن مباحثات الخبراء ستجری یومي 17 و18 آذار في إسطنبول. وتقول المصادر المعنية بالملف النووي الإيراني إن جليلي أعاد، في خلال جلسات التفاوض في آلما أتا، طرح «مشروع الإطار» الذي كان قد تقدم به إلى مجموعة «5 + 1» في خلال جولة المفاوضات السابقة في موسكو. ويتألف من خمسة بنود:
1 - لا تفاوض تحت الضغط.
2 - إجراء المحادثات على قاعدة التعاون لا المواجهة.
3- أن تكون إجراءات بناء الثقة متوازية، وتقوم على قاعدة الخطوات المتقابلة.
4 - رفع العقوبات في مقابل تعهد بالتعاون، وليس مقابل وقف التخصيب.
5 - في نهاية المفاوضات، تتعهد إيران بوقف التخصيب بنسبة 20 في المئة، ولكن على قاعدة احتفاظها بحقها المنتزع والمثبت بذلك، وتحت عنوان مبادرة إيرانية تتوج رفع الحصار وإزالة قلق طهران.
وعليه، تقول المصادر إن الهدف من اجتماع الخبراء في إسطنبول هو «تحويل الاقتراح الإيراني إلى آلية عملانية تحدد بدقة إجراءات التنفيذ، مثل من يبدأ بماذا. ما هي المعايير التي تضمن صرامة إشراف وكالة الطاقة الذرية على المشروع النووي. ما هو مطلوب من 5 + 1 وما هو المطلوب من طهران. الاعتماد على الوثائق المثبتة وليس على التقارير لإثبات مثار قلق كل طرف من الآخر. من يُثر قلقاً ما، عليه أن يقدم ما يلزم لإزالته. من يمارس ضغطاً ما عليه أن يرفعه. وما إلى ذلك من آليات ومبادئ تمهيداً لاستئناف المفاوضات في نيسان».
وفي تفسيرها لما جرى في آلما أتا، تقول مصادر قريبة من أروقة صناعة القرار في إيران إنها «المرة الأولى التي يذعن فيها الغرب لواقعة أن لا مفر من المفاوضات تحت النار. اقتنع، على ما يبدو، بأمرين أساسيين: الأول، أن كل ما فعله ضد إيران، وجدت الجمهورية الإسلامية طريقاً للالتفاف عليه. كل منفذ أغلق، فتح منفذ آخر. أن العالم لم يعد يقبل بحصار أي دولة. أما الأمر الثاني فيبدو أن أميركا قد اقتنعت بأنها لم تعد وحدها القادرة على التحكم في كل المسارات. لم تعد القوة الوحيدة في العالم الذي أصبح متعدد الأقطاب. كل طرف عرف حجمه. لا تزال أميركا قوة عظمى، ولكنها ليست الوحيدة. تستطيع أن تؤذينا ونستطيع أن نؤذيها. يمكنها أن تعمل ضدنا ويمكننا العمل ضدها». وتضيف أن «انكفاء أميركا إلى الداخل بفعل الأزمات المتعددة التي تعاني منها، أضعفها في الخارج حيث انكسرت العنجهية الأميركية. حتى حلفاؤها الذين كانت تحركهم بإيماءة، باتت بحاجة إلى أن تبذل جهداً من أجل دفعهم إلى القيام بهذا أو ذاك. تخيل أن معاذ الخطيب بات بحاجة إلى اتصال من (نائب الرئيس الأميركي جوزيف) بايدن و(وزير الخارجية جون) كيري لدفعه إلى القيام بأمر معين». وتوضح أن «المحيط الاستراتيجي الأميركي لم يعد بهذا الصفاء، بفعل غياب الاستراتيجية الواضحة والتقدم الذي حققه منافسوها وخصومها وأعداؤها على أكثر من مستوى. بات العالم يتحرك بأكثر من إرادة، هناك صراع إرادات بين فاعلين متعددين، حكوميين وغير حكوميين. لم يعد الملعب للكبار فقط، حتى الصغار باتت لديهم مواقع على الخريطة».



طهران: لسنا متعهّدي ملفات

في شرحها لرفض مرشد الثورة علي خامنئي العرض الأميركي بإجراء مفاوضات مباشرة إيرانية أميركية، تقول مصادر إيرانية قريبة من أروقة صناعة القرار في طهران إن «إيران تمارس العلاقات الدولية وفقاً لعقيدة»، موضحة أن كل حراك طهران هو في سبيل «الاعتراف بها دولة مستقلة لها مبادئ ونهج تفاوض تتعامل مع الآخرين على قاعدة الند إلى الند. هي لا تعمل على قاعدة مناطق النفوذ، على غرار كثير من الدول الأخرى» مثل روسيا «مستعدة لمناقشة ولمفاوضة أي دولة أو أي طرف في سبيل تهدئة مخاوفه منها أو إزالة منابع قلق يمكن أن تسببها له. لكنها ليست متعهدة ملفات، ولا تفاوض على أساس كهذا، لأنه يفقدها ويفقد نظامها مشروعيته الداخلية». وعليه «إذا كان قلق الآخرين من طهران هو نزعتها الاستقلالية، فلماذا المفاوضات؟»، لافتة الى أن واشنطن «لم تقبل بهذه المعادلة ولا وجود لمؤشرات أنها تتجه للقبول بها». وتشدد هذه المصادر على أن «طهران تفاوض 5 + 1 لإثبات حسن نياتها للعالم، وليس لأميركا التي يبدو أنها تريد أن تنصب خيمة مع روسيا وتفاوض إيران على القطعة، وعلى قاعدة تغيير السلوك أو تغيير النظام. لماذا نفاوضها إذن؟ هل نحن دولة «عاق» لتغيّر سلوكنا؟». وتختم بالقول إن «على أميركا إثبات حسن نيّاتها أولاً، ويكون ذلك عبر رفع العقوبات وإخراج ملف إيران من مجلس الأمن الدولي».