اسمه مارتن هيدينغسفيلدر وهو صانع كوابيس معظم السياسيين الألمان وخصوصاً المرشحين للانتخابات التشريعية لهذا العام. فهو صيّاد السرقات الأدبية في الاطروحات الجامعية والذي تسبب أخيراً في استقالة عدد من السياسيين الألمان من مناصبهم. الرياضي الذي مارس لعبة الفوتبول الاميركي في ألمانيا لسنوات، قرر أن يتحوّل الى هدّاف من نوع آخر، فاخترق ملعب «الخصوم» من باب نبش أطروحاتهم الجامعية. لكن هيدينغسفيلدر (47 عاماً)، الذي بدأ نشاطه الرصدي كمتطوّع متخفّ مثل باقي الناشطين في هذا المجال، بات اليوم اسماً معروفاً يتقن مهنة الكشف على أطروحات السياسيين مقابل مبالغ مالية! وهو اليوم، حسب صحيفة «زودويتشي» الألمانية، «مشغول وغارق في عمله» الجديد. «لدي الكثير من الطلبات لدرجة أني لا أعرف أين تبدأ وأين تنتهي»، يقول الناشط للصحيفة.

و«الطلبات» تلك هي «لزبائنه» من وسائل إعلام وسياسيين يقصدونه ساعين إلى الحصول على فضيحة ما قد تطال شخصيات ألمانية بارزة. وأخيراً، عُرض على مارتن مبلغ يقارب عشرة آلاف يورو مقابل فلترة أطروحة المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل. لكن الناشط رفض الافصاح عن تفاصيل تخصّ هذا الرصد بالذات ولم يشر الى أي مرحلة وصل في التدقيق. التعريفة التي يتقاضاها هيدينغسفيلدر عادة مقابل عمله هي 300 يورو للمرحلة الاولى من الرصد و500 يورو عن كل يوم عمل إضافي للتوصل الى نتيجة ما. «نوايا الزبائن وأهدافهم تختلف» يقول الناشط. ويضيف «لكن الأكيد أنهم مستعدون لدفع مبالغ طائلة من أجل فضح شخصيات سياسية بارزة».
آخر فضيحة من هذا النوع طالت وزيرة الثقافة والأبحاث الالمانية آنيت شافان بداية الشهر الحالي، وسُحب منها على اثرها لقب «دكتورة» واضطرت إلى أن تستقيل من الحكومة، وهي عضو في حزب ميركل وصديقة مقرّبة لها. وعندما رفضت الوزيرة النتائج التي نشرت في الاعلام وقررت رفع دعوى قضائية على الجامعة التي سلبتها اللقب الاكاديمي، أنشأ هيدينغسفيلدر موقعاً الكترونياً خاصاً يفنّد فيه الدلائل على السرقة الأدبية الوارد في اطروحة شافان وقام بنشرها على الانترنت.
الرياضي السابق هو بدوره مرشح للانتخابات البرلمانية الالمانية، التي ستجرى في شهر أيلول المقبل، ولم يجد سلاحاً أفضل من فضائح السرقات الادبية للضغط على المرشحين الآخرين. لذا، ابتكر هيدينغسفيلدر أخيراً موقعاً الكترونياً خاصاً باسم PolitPlag عرض فيه لائحة بأسماء السياسيين الذين ينوي «استهداف» اطروحاتهم، ومن بين هؤلاء وزيرة العمل الحالية، والرئيس الفدرالي لليبيراليين وغيرهم... مبدأ العمل في الموقع الجديد هو تشاركي، إذ يساهم القرّاء بدفع مبلغ مالي لا يقلّ عن 20 يورو، مع الاشارة الى السياسي الذي يريدون أن تكشف أطروحته. وتنقل «زودويتشي» عن الناشط ومساعديه أن لديهم حتى الآن 80 أطروحة دكتوراه يجري التدقيق فيها، كما هم في صدد رصد حوالي 40 كتاباً، بينها عشرة لنواب ألمان.
لكن، هيدينغسفيلدر يواجه حملة انتقادات من زملائه في النشاط ذاته من المتطوعين الذين يحتجّون على تقاضيه المال مقابل مهماته، وهو يردّ بالقول إن «العمل التدقيقي يستغرق الكثير من وقتي، لذا عليّ أن أعتاش منه».
يذكر أن الناشط الالماني كان عضواً في الحزب الديموقراطي ــ الاشتراكي حتى أواخر عام 2012 قبل أن ينتقل الى صفوف «حزب القراصنة» أخيراً ويترشح على لوائحه لانتخابات 2013.
ويبدو أن لقب «دكتور» له وقع مميز في الحياة المهنية ــ الاجتماعية الالمانية والدولة تتشدد في قواعد وطرق استخدامه. ويقول البروفيسور توماس ريغوتي لوكالة «دويتشي فيلي» إن لقب «دكتور» «مهم جداً لدى الالمان، فهو له تأثير تجميلي على شخصية حامله خصوصاً في مجالات العمل الاستشاري أو السياسي». ويضيف أن له أهمية كبيرة على الصعيد المعيشي أيضاً، إذ إن «حامل شهادة الدكتوراه يتقاضى راتباً يفوق بدرجات راتب حامل الماجستير مثلاً». بعض المحللين الألمان يذهبون الى حدّ القول إن الالمان «مهووسون» بلقب «دكتور» و«يقدسونه»، لذلك يلجأ معظم السياسيين الى إبرازه.
البروفيسور مايك كتشيسكو، الذي عاش في ألمانيا الشرقية خلال حقبة الاتحاد السوفياتي، يشير الى أن «حاملي الدكتوراه في ذلك الحين كانوا أكثر مهنية. والقيادات السياسية في ألمانيا الشرقية لم يكونوا من حملة تلك الشهادة بكثرة إذ إن معظمهم كانوا عمّالاً».
وقد ضجّت الاوساط السياسية عام 2011 بفضائح سرقات أدبية متكررة طالت نوّاباً في البرلمان الاوروبي، وسياسيين ألماناً من بينهم وزير الدفاع السابق.