برلين | بعد ثلاثة أشهر من الخلافات حول قيمة الموازنة الأوروبية وطريقة صرفها، وبعد ستّ ساعات من التأجيل المتواصل لجلسة الافتتاح، وليلة بكاملها من النقاش بين ممثلي 27 حكومة أوروبية وبمساهمة قادة الدول المعنية، تحولت هذه الجلسة التاريخية المنعقدة في بروكسل إلى قمّة أوروبية، أصدرت قرارها: حجم الموازنة الأوروبية في السنوات السبع المقبلة (حتى عام 2020) هو 960 مليار يورو.ويعتبر هذا الاتفاق _ التسوية خطوة هامة في مسار الاتحاد الأوروبي، إذ لم يسبق أن عرف هذا الاتحاد في تاريخه مرحلة من التشاؤم والخوف من الفشل كتلك المرحلة التي عاشها على عتبة إقرار الموازنة.

وعلى الرغم من معارضة رئيس البرلمان الأوروبي مارتين شولتز لهذا الاتفاق _ التسوية، ووصفه في أول تعليق إذاعي بأنه «مناورة غشّ»، وأن البرلمان الأوروبي سيصوّت ضدّه، إلا أن المراقبين المتابعين لجلسات النقاش الحادة يؤكدون أن هذا القرار جاء بمباركة الدول الأوروبية الكبرى الرئيسية، ألمانيا وفرنسا وبريطانيا.
ويؤكد شولتز أنه سيمارس حق النقض والرفض. وهو يرى أن «الاتحاد الأوروبي يقدّم لمواطنيه الكثير من الوعود ويقدم إلى الخزينة القليل من المطلوب... هذا يعني عملية غشّ واضحة والسير نحو الإفلاس المقصود، وهذه جريمة». إلا أن تجربة عمل هذا البرلمان تشير إلى انصياع ممثليه في النهاية الى مواقف دولهم.
وبدا على أعتاب الليل الأوروبي الطويل الذي شهدته بروكسل أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل هي الأكثر حماسة بين القيادات الأوروبية للوصول إلى تسوية، وخلاصة موقفها هو أن منح المفوضية الأوروبية المزيد من سلطات المراقبة على السياسة المالية والاقتصادية لدول الاتحاد الأوروبي بإمكانه الحدّ من الوقوع في الثغَر والتعثر المالي في أوروبا.
من هنا، كان سفرها إلى فرنسا قبل يوم من انعقاد القمة في بروكسل، ولم يكن هدفه متابعة مباراة كرة القدم بين منتخبي ألمانيا وفرنسا، بل الاجتماع إلى الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، للاتفاق معه على ورقة عمل واحدة في اجتماعات بروكسل.
ويشير المتابعون لقمة بروكسل إلى أن مطالب هولاند لم تكن متعلقة بحجم الموازنة وكيفية تحصيلها، بل بكيفية صرفها في السنوات السبع المقبلة وضرورة تخصيص القسم الأكبر منها على الزراعة لتأمين مراكز عمل ولمكافحة البطالة في
أوروبا.
في لغة الأرقام، يمكن القول إن الاتفاق _ التسوية، يعني أن أوروبا ستمارس نسبة من «التقشف» في السنوات المقبلة، باستثناء المدفوعات المتفق عليها في الماضي. ورهان المدافعين عن الموازنة الأوروبية الجديد هو في رسم خطة إنفاق استثماري، يراها الرئيس الفرنسي مُكمّلة لمشروعه السياسي الذي أوصله إلى الرئاسة. وهو التعهد بتغيير اتجاهات السياسة الاقتصادية في منطقة اليورو، وذلك عير تعزيز النمو الاقتصادي، وبالتالي تأمين المزيد من فرص العمل.
وهذا يعني في لغة الأرقام أيضاً، أنه لن يكون ممكناً في السنوات المقبلة ممارسة سياسة إغراء المواطنين في «أوروبا الغنية» بقضاء عطل سنوية جميلة في «أوروبا الفقيرة»، وخاصة بعدما وصل عدد «الأوروبيين الجائعين» الذين يطالبون بالإغاثة والعون إلى خمس دول من أصل 27 دولة، بعد انضمام قبرص أخيراً إلى قائمة «العضوية الجائعة» وهي: إسبانيا، اليونان، البرتغال وإيرلندا... وقريباً إيطاليا ربما.
وأوضح مصدر أوروبي أنه لإمرار هذا التقشف لدى بلدان مثل فرنسا وإيطاليا اللتين كانتا تدعوان الى زيادة في الميزانية، تم التوصل الى حلول لإضفاء مزيد من الليونة. لذلك قد يكون الاتفاق «تسوية ليست كبيرة، لكنها مقبولة»، حسبما علّق دبلوماسي فرنسي في بروكسل.