أكثر من 160 شخصاً في العراق قُتلوا قنصاً برصاص بندقيته. هو أشهر قنّاص في تاريخ الحروب الأميركية الحديثة، إذ سجّل رقماً قياسياً في عدد الضحايا الذين أرداهم أثناء خدمته في العراق. العراقيون يسمّونه «شيطان الرمادي» (نسبة الى مدينة الرمادي)، واسمه الحقيقي كريس كايل، وقد قُتل السبت الماضي على الأراضي الأميركية، ولسخرية القدر، برصاص جندي أميركي عائد من بلاد الرافدين، حسب التحقيقات الأوّلية.
كايل (38 عاماً)، ابن تكساس الذي كان يهوى صيد الغزلان في سنّ المراهقة، كان لديه حلمان، كما قال، «الأول أن يصبح Cowboy (راعي بقر) أصيلاً، والثاني أن ينخرط في صفوف الجيش الأميركي». هكذا، انضمّ كايل الى قوات البحرية وخدم في أربع دورات خلال الغزو الاميركي للعراق. وفي العراق، استمرّ بممارسة هوايته الـ«تكساسية» المحبّبة، واصطاد البشر بدلاً من الغزلان، فحطّم رقماً قياسياً في عدد القتلى كوفئ عليه بنجوم وأوسمة شجاعة من قيادات الجيش.
هو «الجندي الأسطورة»، كالذين نشاهدهم في الأفلام الهوليوودية، ممن يعتنقون الحرب كفكرة سامية للدفاع عن «حياة المواطنين الأميركيين». «نعم، لقد قمنا بالأمر المناسب في شنّ الحرب على العراق» كرر كايل في أكثر من مقابلة صحافية بعد تقاعده عام 2009. وكايل، كابن ولايته جورج والكر بوش، يؤمن أيضاً بتدخل إلهي في العمل الحربي، وقد قال في مقابلة مع «ذي نيويورك بوست» إنه في إحدى رماياته الصعبة والدقيقة جداً «الله فجّر الرصاصة فأصابت الهدف». «في الميدان لا أتعامل مع الأهداف كأشخاص. لا أفكّر إن كان لديهم عائلات أو لا. أحاول فقط أن أحمي رفاقي الجنود. فكل شخص أرديه أمنعه من زرع عبوة على الطريق، لذلك لا أتردّد في قتله»، شرح كايل في مقابلة مع مجلة «تايم» الاميركية.
الجندي القنّاص حقق شهرة كبيرة العام الماضي بعدما خلّد تجربته العسكرية الميدانية، وروى تفاصيل «إنجازاته» في كتاب اسمه «قنّاص أميركي _ سيرة حياة أكثر القنّاصين الأميركيين فتكاً في تاريخ الجيش الأميركي» (كانون الثاني2012). وفي الكتاب، يروي كايل أولى تجاربه في القنص بعد أسبوعين من وصوله الى العراق. في تلك التجربة كان الهدف امرأة تحمل رضيعاً، لكن كايل يقول إنه رصد المرأة بمنظاره «وهي تحاول أن تخرج قنبلة وكانت تنوي أن تفجّر نفسها بمجموعة من جنود المارينز». ويتابع «ترددتُ لوهلة ثم أطلقت عليها الرصاص، ولست نادماً على ما فعلته». كايل يردف معلّقاً على هذه الحادثة بالذات «رصاصاتي أنقذت حياة عدد من الأميركيين، وحياة هؤلاء هي من دون شكّ أغلى من حياة تلك المرأة ذات الروح المريضة».
كايل ذكر في مقابلاته الصحافية وإطلالاته التلفزيونية، بعدما أصبح نجم الشاشة العام الماضي، أن «الإعلام والناس لا يدركون فعلياً ماذا يجري في الجانب الآخر من العالم وماذا يفعل هؤلاء البشر لأنفسهم ولجنودنا، لذا يجب أن نفعل شيئاً لردعهم عمّا يفعلونه».
«الشيطان» بالنسبة إلى العراقيين بات «أيقونة» و«بطلاً» بالنسبة إلى الجنود الأميركيين وإلى قرّاء الكتاب الذي حقق نسبة مبيعات عالية، وصنّفته صحيفة «ذي نيويورك تايمز» «الكتاب الأكثر مبيعاً لعام 2012»، إذ بيع منه حوالى 850 ألف نسخة، ورقياً وإلكترونياً.
وبعد انتهاء خدمته في الجيش الاميركي عام 2009 وتقليده أوسمة «شجاعة» رفيعة، أسّس كايل شركة «كرافت انترناشيونال» للتدريب العسكري. ثم أطلق مؤسسة «فيتكو كييرز» التي تعنى بالمعالجة النفسية للجنود الأميركيين العائدين من ميادين الحرب وتأهيلهم. وكان كايل «يأخذ بعض الجنود لتنفيذ رمايات وإطلاق الرصاص كجزء من التمارين العلاجية».
وكايل قتل مع أحد رفاقه واسمه تشاد ليتلفيلد السبت الماضي في مضمار للرماية في تكساس. بعض التسريبات الإعلامية حول التحقيق الأولي للشرطة تقول إن القنّاص أردي خلال إحدى تلك المحاولات العلاجية التي كان يقدمها للجنود المرضى. وبعد ساعات على الحادثة، أوقفت الشرطة المشتبه فيه، إيدي راي روث (25 عاماً)، وهو جندي في البحرية الاميركية خدم في الحرب على العراق. مصادر في الشرطة نقلت عن روث قوله إنه «يعاني من اضطرابات ما بعد الصدمة النفسية»، وإنه «أدخل المصحّ للعلاج مرتين في السابق».