كل الإشارات تدلّ على بداية عودة الحياة الى العلاقات الروسية ــ الجورجية الميتة منذ عام 2008. فخلال الأيام القليلة الماضية رُصدت بعض التطورات السياسية والاقتصادية على أعلى المستويات، تعدّ الأولى منذ الأزمة التي اندلعت بين البلدين على خلفية اعتراف روسيا باستقلال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية قبل نحو خمس سنوات.
الإشارتان الأوليان جاءتا على هامش مؤتمر «دافوس»، إذ سُجّل لقاء «تاريخي» هو الأول منذ عام 2008 بين رئيس الوزراء الروسي ديميتري مدفيديف ونظيره الجورجي بيدزينا إيفانيشفيلي. اللقاء اقتصر على بضع دقائق فقط، إذ شوهد الرئيسان يتبادلان الحديث خلال حفلة كوكتيل ضمن المؤتمر الدولي. مضمون الحديث الرئاسي السريع لم يُعرف بعد، لكن المتحدثة باسم رئاسة الوزراء الروسية أكّدت أن اللقاء حصل «ضمن سلسلة محادثات أجراها مدفيديف مع عدد من رؤساء البعثات المشاركة في المؤتمر».
الإشارة الثانية خلال «دافوس» كانت أكثر وضوحاً، إذ نقلت مصادر صحافية أن رئيس الوزراء الجورجي حضر جلسة فطور خاصة برجال الأعمال الروس وألقى كلمة أمامهم أشار فيها الى أن «بلده مهتم بالاستثمار مع روسيا وأن باب التعاون مفتوح». إيفانيشفيلي، المعارض للرئيس ميخائيل ساكاشفيلي، عبّر عن «سروره من الإدارة الجورجية الجديدة (برئاسته) التي تسعى إلى إعادة بناء العلاقات مع روسيا»، موضحاً «أن ذلك سيؤتي ثماره قريباً».
الإشارة الثالثة، حملها بطريرك جورجيا للروم الأرثوذكس إيليا الثاني، الذي التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ أيام، ووصف الزيارة بـ«الناجحة». وإيليا الثاني يعدّ أبرز شخصية جورجية التقاها الرئيس الروسي منذ اندلاع الأزمة بين البلدين؛ فالرئاسة الروسية رفضت على الدوام لقاء أي مسؤول جورجي خلال فترة حكم «مجرم الحرب» ساكاشفيلي. وكان البطريرك الجورجي قد أعلن، قبيل زيارته لروسيا، أنه «يجب أن نبذل كل جهودنا لإخراج العلاقات الروسية ــ الجورجية من حالة الجمود التي تعيشها». ويُذكر أن الخطّ الكنسي البطريركي بين البلدين هو الخطّ الوحيد الذي بقي مفتوحاً بعد القطيعة السياسية والاقتصادية.
الإشارة الرابعة البارزة هي اقتصادية بحتة؛ إذ أُعلن أول من أمس شراء مجموعة «ألفا غروب» الروسية الحصة الأكبر من إحدى أبرز شركات المياه المعدنية الجورجية، وتدعى «بورجومي». وكانت عبوات مياة «بورجومي» قد منعت من دخول الأسواق الروسية عام 2006 اضافة الى عدد من المنتجات الجورجية الاخرى ولا سيما النبيذ، وكان لذلك أثر سلبي كبير على الميزان التجاري الجورجي.
المحللون الروس اعترفوا بالخطوات غير المسبوقة والمستجدة بين البلدين، لكن معظمهم استبعدوا أن تعود العلاقات الى طبيعتها قريباً، أولاً لأن الرئيس الروسي لن يتراجع عن اعترافه باستقلالية أبخازيا واوسيتيا الجنوبية، ولأنه ما من جهة سياسية جورجية ستفرّط بالأراضي التابعة لجورجيا وتذعن بالكامل لرغبات موسكو.
أوجينيا فويكو لفتت، في مقابلة على موقع إذاعة «صوت روسيا»، الى أن «جورجيا هي التي تسعى إلى إحياء العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع روسيا، لأن لها في ذلك مصلحة كبيرة على مختلف الصعد، ولا سيما الاقتصادية». وتعطي فويكو مثل إلغاء السلطات الجورجية تأشيرة الدخول للمواطنين الروس الى أراضيها العام الماضي، كمؤشر على مدى سعي جورجيا واهتمامها بتحسين العلاقات مع موسكو، لكنها تذكّر بأن السلطات الروسية لم تقم بالمثل ردّاً على تلك الخطوة.
وفي ظل الكلام على اجتماعات مقبلة بين مسؤولين روس وجورجيين بغية إحياء الاتفاقيات التجارية واستعادة النشاط الاقتصادي بين البلدين، قال السفير الروسي السابق في جورجيا، فيليكس سانيفسكي، لصحيفة «سانت بيترسبورغ تايمز»، إن «جورجيا، لا روسيا، هي المستفيد الأكبر من انعاش العلاقات الاقتصادية». ويخلص سانيفسكي الى أنّ «على تبيليسي أن تقدّم بعض التنازلات السياسية إما بخصوص أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية أو في سياستها الامنية مقابل استعادة العلاقات الاقتصادية مع روسيا».
يذكر أن كتلة رئيس الوزراء الجورجي الحالي، إيفانيشفيلي، فازت في الانتخابات البرلمانية الأخيرة نهاية العام الماضي، موجهة ضربة قاسية للرئيس ساكاشفيلي؛ إذ يعدّ رئيس الوزراء والمتموّل الكبير، من أبرز المعارضين السياسيين للرئيس الذي يصفه بـ«الكاذب الموهوب الذي أفسد علاقاتنا مع روسيا».