برلين | احتفلت ألمانيا وفرنسا بذكرى مرور خمسين عاماً على توقيع معاهدة السلام بين البلدين (اتفاقية الإليزيه)، ولأول مرة في التاريخ يلتقي البرلمان الألماني «البوندستاغ»، في برلين، برلماناً أجنبياً كاملاً (الجمعية الوطنية الفرنسية) لمنح هذه الذكرى تأكيداً على التلاحم في السياسة الأوروبية والعالمية بين البلدين، وسط احتجاجات من بعض نواب المعارضة والائتلاف الحاكم على عدم التعاون الفرنسي. وجاءت كلمات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في هذا الاحتفال متطابقة، سواء في الإشارة إلى أهمية هذه المعاهدة وانعكاساتها الإيجابية باتجاه شدّ اللحمة بين البلدين، أو في التطلع إلى رسم صورة زاهرة للمستقبل الأوروبي الواحد، كذلك كشفت مواقف وتعليقات بعض السياسيين، والتي نشرتها صحافة البلدين، عن وجهات نظر متوافقة في بعضها ومتباينة في البعض الآخر.
وتطابقت مواقف وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيله مع نظيره الفرنسي لوران فابيوس، في مقالات نشرتها صحيفة «فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ» لمناسبة ذكرى خمسين عاماً على معاهدة الإليزيه، في التحذير من خطر تنامي وانتشار النزعات القومية الشوفينية في البلدين بسبب الأزمة المالية التي عرفتها أوروبا.
وتفرض بنود معاهدة الإليزيه، إضافة إلى «كلمات السلم والمحبة والأخوة»، ضرورة التعاون بينهما في مواجهة المتاعب الداخلية والخارجية، وهذا بدوره يكسب هذه المعاهدة قدرة على الصمود. وجسّدت الأزمة المالية التي عاشتها أوروبا أخيراً فعالية هذا التعاون ونجاحه، والأهم الثقة المتبادلة بين الجانبين.
ويتصدى الجانبان، الفرنسي والألماني، لأزمات أوروبية داخلية مُشتركة، تأتي في طليعتها أزمة البطالة التي وصل معدلها أخيراً في الاتحاد الأوروبي إلى 23 في المئة (ما يوازي ثمانية ملايين عاطل من العمل). ويتجسد التعاون الألماني الفرنسي خارجياً في وحدة المشاركة في حلف شمالي الأطلسي، وفي التجمع السياسي الغربي بكامله في مواجهة التكتل الروسي وحلفائه إضافة إلى تحديات الإرهاب.
إلا أن نواباً ألماناً انتقدوا علاقة الحكومة الألمانية مع فرنسا، ووصفوها بأنها «أحادية الاتجاه في التعاون... عندما كانت ألمانيا قبل عشر سنوات في ظروف سيّئة، لم تكلّف فرنسا نفسها عناء الالتفات إلينا، واليوم فرنسا في أزمة ومتاعب اقتصادية ويطلب إلينا الاهتمام» (رئيس الحزب الاشتراكي الفرنسي فرانك فالتر شتاينماير في صحيفة «باساور نوين بريسه»).
وتطرق نواب ألمان إلى الخلاف الألماني مع فرنسا حول السياسة العسكرية والانتشار العسكري خارج أوروبا، في إشارة إلى الأزمة الأخيرة في مالي، حيث اكتفت ألمانيا بالمشاركة في طائرتي نقل عسكريتين، معيدين الأسباب إلى أن ألمانيا تقوم بواجباتها في الانتشار العسكري المطلوب منها في أنحاء العالم.
وفي السياق، يُذكَر أن بعض السياسيين في التجمع الألماني الحاكم وجّهوا انتقادات إلى حكومة هولاند الاشتراكية، في الإشارة إلى أن التعاون بين البلدين لا يعني حسن الجوار فقط في ظلّ تنافس اقتصادي داخلي في سياسة البلدين ونهجيهما.
يُذكر أن معاهدة السلام الألمانية الفرنسية جرى التوقيع عليها في قصر الرئاسة الفرنسية في 22 كانون الثاني 1936، بين كل من الرئيس الفرنسي في حينه الجنرال شارل ديغول والمستشار الألماني كونراد أديناور (حزب التجمع المسيحي الألماني) وأدت منذ تاريخه إلى قيام اتفاقيات تعاون بين أكثر من 2200 مدينة ألمانية وفرنسية، وهذا ما جعلها تثمر وتتأكد على صعيد التعاون والأخوة بين البلدين.