نواكشوط | حركة أنصار الدين، التي حققت نجاحاً غير مسبوق هي إحدى أبرز ثلاث جماعات إسلامية مسلحة تواجه اليوم الغزو الفرنسي للشمال المالي ويرجع تأسيسها، بالرغم من حداثة نشأتها، إلى اليساري السابق والزعيم التقليدي إياد آغ غالي، وهو من أبناء أسر القيادات القبلية التاريخية لقبائل الايفوغاس الطوارقية. وقاد غالي قبل ربع قرن تمرداً ضد الحكومة المالية في بداية تسعينيات القرن الماضي وكان آنذاك قائداً قومياً يعتمد الفكر اليساري، لكن الرجل وبعد توقيع اتفاقية السلام بين الحكومة المالية والمتمردين الطوارق مطلع تسعينيات القرن الماضي عمل قنصلاً عاماً لجمهورية مالي في مدينة جدة السعودية، الشيء الذي غيّر من تفكيره الى اعتناق الفكر السلفي الجهادي.
ومع سقوط نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، عاد الرجل إلى شمال مالي أو أرض الأزواد، كما يحلو له تسميتها نسبة الى أهله. هناك اّتخذ من سلسلة جبال أغارغا مقراً وبدأ في تجميع المقاتلين الطوارق وتدريبهم على الأسلحة.
وفي خضم التغييرات الواسعة التي شهدتها المنطقة مع رحيل الزعيم الليبي وعودة الآلاف من أبناء جلدته من الأراضي الليبية بعدّتهم وعتادهم المتطور، الذي شمل مختلف أنواع الأسلحة الليبية من مضادات الطائرات والصواريخ الروسية والصينية والأميركية والأوروبية، أسـس الرجل تنظيمه الجديد الذي أطلق عليه حركة «أنصار الدين»، بعد أن تداعى اليه الآلاف من أبناء قبيلة الايفوغاس وبعض المقاتلين من قبائل طوارقية أخرى.
ويرى المراقبون أن غالي، الطامح كغيره من قيادات الشمال في بعث دولة الأزواد، سارع الى استثمار مكانته الاجتماعية وتوجهه السلفي الفكري لقطف ثمار «تنظيم القاعدة» في المنطقة فجاءت الاستجابة لدعوته مزدوجة اليوم، حيث تلبي البعد القبلي والقومي والانفصالي لدى الطوارق وتتناغم مع الدعوة الجهادية المنتشرة هناك.
وفيما كانت دول الغرب تبدي مخاوفها من الأسلحة الليبية، التي عاد بها أبناء الشمال المالي من حرب ليبيا، باغت غالي، في أول نشاط عسكري لأنصار الدين، الحكومة المالية ودك مدينة اغيلهوك في أقصى الشمال المالي، حيث توجد قاعدة عسكرية مُحصّنة تابعة للجيش وسيطر عليها، ثم ما لبث أن هاجم قاعدة تساليت العسكرية وتمكن من اقتحامها والسيطرة عليها، وأعلن عزمه تطبيق الشريعة الإسلامية في المناطق الواقعة تحت سيطرة حركتة مستحدثاً مجالس محلية تُسيّر شؤون المدن والبلدات التي سقطت في يد مقاتليه.
وبالرغم من ان حركة تحرير أزواد أطلقت في كانون الثاني عام 2009 الشرارة الأولى للحرب ضد الجيش المالي، عبر هجومها على مدينة منيكا، إلا أن أنصار الدين تجاوزت كل الحركات الأزوادية. ففي حين تُنعَت الحركة الوطنية لتحرير أزواد بأنها حركة قومية تشكلت على أساس قومي يتمثل في قبائل الايدينان الطوارقية وهمشت العرب والفولان والسونغاي، نجحت أنصار الدين في تفادي هذه الأخطاء واكتسبت الكثير من قادة تحرير ازواد.
وفيما يفرض تنظيم القاعدة الوصاية الروحية على حركة الجهاد والتوحيد وحركة أبناء الصحراء وغيرها من الحركات، يختلف تعامل القاعدة مع «أنصار الدين». وهو ما يفسره البعض بالثقة التي تمنحها قاعدة المغرب العربي لإياد غالي والدور الذي يلعبه في المنطقة منذ عودته قبل فترة.
وأمام هذا الدور الذي غيّرت به «أنصار الدين» خريطة الجهاد في المنطقة، بدأت الانشقاقات التي شهدتها القاعدة أواخر العام المنصرم، ولعل أبرزها انشقاق أمير كتيبة الملثمين مختار بالمختار الملقب بلعور.