نيويورك | قبل أسبوع دهمت شرطة نيويورك شقة في حي «قرية غرينتش» في مانهاتان، حيث عثرت على أسلحة ومتفجرات وكتب تعلّم الإرهاب وصنع الأسلحة والمتفجرات. كان في الشقة التي يسكنها كل من آرون غرين (31 عاماً)، المتخرج في جامعة هارفارد، وصديقته مورغان غليدمان (27 عاماً)، بندقيتان وأمشاط ذخيرة معزّزة ورصاص خطاط، ومظاريف رصاص فارغة، ونموذج لقاذف من طراز «أم ـ 203»، مصمم لإطلاق قنابل مضيئة، وعلبة تضم سبعة غرامات من المواد الشديدة الانفجار من فئة «أتش أم تي دي». وهي متفجرات خطرة قد تنفجر من تلقاء نفسها من دون صاعق. بعد التفتيش الدقيق عُثر على الجزء الخامس من موسوعة الإرهابي الخاص بصنع الأسلحة، ويحتوي على طريقة صنع رشاش شبه أوتوماتيكي. وعُثر على دليل عسكري لصنع الفخاخ والعبوات الناسفة وطريقة زرعها. واعتُقل الشخصان المرتبطان بنحو مريب بجماعات مناوئة للحكومة، حسب وصف وسائل الإعلام الأميركية. وتحدث آخرون عن علاقتهم بحركة «احتلوا وول ستريت» السلمية. لكن الحركة سرعان ما نفت أي صلة لها بهم.
في العادة، عندما يُكتشف شخص يخطط أو يمتلك أي مواد متفجرة غير مرخصة، يتحول الحدث إلى مهرجان إعلامي. لكن هذا الحادث لم يستوقف سوى عدد محدود من وسائل الإعلام الأميركية، ولم تُثر القضية على مستوى وطني، مع أن المكان لا يبعد كثيراً عن مركز التجارة العالمي في نيويورك حيث وقع هجوم 11 أيلول 2001. الأغرب من هذا أنه سرعان ما صدرت تصريحات مخففة من نوع أن الاثنين كانا مدمني مخدرات و«ليسا إرهابيين». نتيجة توصلت إليها الشرطة بسرعة، بأن المتفجرات والأسلحة لا تعدو كونها جزءاً من صراع على مخدرات. وقال ضابط شرطة لإحدى الصحف: «يبدو أنهما شخصان رثّان. إنها قصة أشخاص رثّين وليست قضية إرهابيين».
تعليقات القراء على القصة شككت في هذه «اللفلفة» البوليسية لقضية ربما كانت تتعلق بعائلات أميركية غنية بيضاء غير مسلمة. وقال أحدهم: «لو كان هؤلاء من اللون الأسمر وينتمون إلى ديانة مختلفة، فهل كان سيتم التعامل مع قضيتهم بهذا الاستخفاف؟»، وكتب ثالث: «كون الشخصين من البيض الأغنياء يمنحهما قدراً كبيراً من الحصانة».
استبعاد كونهما إرهابيين بهذه السرعة يتناقض وروح العقيدة التي وضعها نائب الرئيس السابق ديك تشيني في تشرين الثاني 2001، الذي رسخ ثابتة وجوب التحرك الجدّي، حتى لو كان هناك شكّ بنسبة واحد في المئة باحتمال أن يكون خطر الإرهاب قائماً. وقال: «علينا التعامل معه كما لو كان يقيناً». فما بالك إذا وجدت البنادق والمتفجرات ووسائل تعلم الإرهاب في المكان، مع ثبوت أن المتهم أجرى تجربة تفجير في حديقة عامة كما تبين من شريط فيدو كان بحوزته.
بموجب توجيهات تشيني، جرت مضايقة العديد من الأشخاص من الجاليات الآسيوية والأفريقية، ولا سيما الإسلامية. وأوقف أشخاص واقتيدوا إلى معتقلات تعسفية، وأحياناً أُخضعوا للتعذيب وحرمانهم حقوقهم المدنية. وسواء كان الأشخاص متورطين فعلياً، أو كانوا مجرد عابثين، فإن الحملات الإعلامية بحقهم خلال فترة التحقيق أسهمت في تعزيز أجواء الكراهية للمسلمين، وأدت إلى ارتكاب جرائم تعدٍّ وصلت إلى حد القتل.
إضافة إلى ذلك، فإن الشرطة الأميركية، ولا سيما في نيويورك، تتبع بنحو منظم حملات شبه يومية لتفتيش المارة وركاب المواصلات العامة بحثاً عن إرهابيين. وغالباً ما يكون المشبته فيهم من السمر وذوي الأشكال الشرق أوسطية أو الآسيوية. واستهدفت الشرطة أيضاً أفراد جاليات بأكملها، عبر إعداد ملفات عن كل فرد فيها. وكانت حصة المسلمين الأعلى من عملية الاستهداف الاستخباراتية الممنهجة تلك، فيما نالت الطائفة السيخية نصيبها بسبب طريقة اللباس الآسيوي، حيث تعرض معبد السيخ في ولاية وسكنسن أخيراً لهجوم بالبنادق، أدى إلى مصرع ستة من زواره.
الإعلام الأميركي بصورة عامة تعاطى مع هذه الحوادث بتبريرات كثيرة دون أن يسميها صراحة أنها أعمال إرهابية؛ ففي حادث معبد السيخ مثلاً، جرى الحديث عن الفاعل، وأيد مايكل بيج أنه من النازيين الجدد. وشككت طائفة السيخ في عدم ربط إدارة المباحث تلك القضية بعنصرية الفاعلين المنظمة، مع أن هناك عنصرية قديمة في الولايات المتحدة.
عنصرية تفوّق الجنس الأبيض، التي مارست الإجرام الواسع عبر تنظيمات مثل «كلو كلوكس كلان»، التي مارست إجراماً يتجاوز من حيث فظاعته كل الجرائم الإرهابية التي جرت إبان العقد الأخير. والعنصرية الإرهابية المنظمة متأصلة في المجتمع الأميركي نتيجة ثقافة قرون من استعباد الجنس الأسمر، وإبادة عشرات الملايين من السكان الأصليين من الهنود الحمر.
مع ذلك، فإن وزارة الداخلية الأميركية أو وزارة الأمن الوطني، صنفت الجماعات اليمينية المتطرفة بأنها «قد تشكل مصدراً من مصادر الإرهاب الداخلي». إلا أن هذا أثار اعتراضات داخل مجلس النواب الأميركي، الذين رفضوا وصم الأميركيين اليمينيين المتطرفين بالإرهابيين. الباحث والخبير في تاريخ الشرق الأوسط، خوان كول، تحدث عن تواطؤ الإعلام الأميركي مع ذلك التمييز بين عنف أبيض وإرهاب أسمر، وقال: «تجرى مقابلة مع أفراد عائلة الإرهابي الأبيض وهم يبكون معربين عن حيرتهم من مصدر الخطأ الذي وقع. ولا تتم مقابلة أسر الإرهابيين الآخرين على الإطلاق». والإرهاب الأبيض يصبح إرهاباً فقط إذا ما استهدف الشركات والمصارف ولو سلمياً؛ ففي حوادث محاصرة المصارف والشركات خلال عام 2011 اجتمع ضباط وكالة «أف بي آي» ووزارة الداخلية مع كبار المسؤولين في «وول ستريت» لبحث ما وصفوه بـ«مخاطر تعرض الحي المالي لأعمال إجرامية أو إرهاب».