حقق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أخيراً، رغبته في الانتقام من خصمه اللدود، الداعية الإسلامي فتح الله غولن. حيث أصدر القضاء التركي، أمس، قراراً يقضي باعتقال غولن المقيم في ولاية بنسلفانيا الأميركية، بعد سنواتٍ من الخصومة التي بلغت ذروتها خلال العام الماضي.
عامٌ بالتمام مرّ على فضيحة الفساد التي هزّت حكومة أردوغان في كانون الأول 2013، عندما اتهم الأخير غولن بالوقوف وراءها بواسطة أنصاره في أجهزة الدولة «الذين نفذوا عملية التنصت على أردوغان وبعض الوزراء وفبركوا تسجيلات صوتية»، بحسب ما ردّد أردوغان أكثر من مرة. فضيحةٌ مدوية طاولت معه عدداً من الوزراء ورجال الأعمال المقربين منه، من دون أن تفلح في إطاحته، حيث خرج الرجل القوي منتصراً من الاستحقاق المحلّي والرئاسي خلال عام «الفضيحة»، وها هو اليوم يتطلّع نحو تغيير نظام الحكم إلى رئاسي لتعزيز صلاحياته، في وقتٍ يغيّر في هوية البلاد وشكلها خطوةً خطوة، من دون رادع أو وازع.
وأصدرت النيابة العامة التركية، أمس، مذكرة جلب وإحضار بحق الداعية فتح الله غولن (73 عاماً)، بتهمة «قيادة مجموعة إجرامية». وكانت قناة «الخبر» التلفزيونية، أمس، قد ذكرت أن «الحكومة التركية طلبت من محكمة تركية إصدار قرار اعتقال بحق فتح الله غولن»، ثم نقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول حكومي أن «ممثل ادعاء طلب من محكمة تركية إصدار أمر باعتقال فتح الله غولن»، مضيفاً: «لكن لم يصدر حكم من المحكمة بذلك». وقالت شبكة التلفزيون العامة «تي آر تي» إن غولن مطلوب للقضاء لمواجهة اتهام بأنه «قائد منظمة إرهابية».
يمثّل غولن «أبو الاسلام الاجتماعي» في تركيا. هو مؤسس جماعة «الخدمة» الدينية التي أسست مئات المدارس في تركيا وخارجها، ولا سيما في جمهوريات آسيا الوسطى والبلقان والقوقاز. بالإضافة إلى فتح وسائل إعلامية، كالصحف والقنوات التلفزيونية، وفي مقدمها صحيفة «زمان» الواسعة الانتشار. إلى ذلك، تمتلك جماعة غولن شركات خاصة وأعمالاً تجارية ومؤسسات خيرية، وعدداً هائلاً من المؤيدين داخل المؤسسات العامة. وبناء على ذلك، يُرجِع كثيرون الفضل في «النموذج» الذي اتسمت به تركيا، إلى غولن شخصياً. إذ إن الرجل السبعيني كان «المرشد»، إن جاز التعبير، لصيغة المواءمة بين الإسلام المحافظ و«الانفتاح» على الغرب الذي رحّب بحركة غولن وفتح أمامه المجال لعقد المؤتمرات والترويج لحركته، بصورةٍ سنوية.
وبعد سنوات من تحالف وسم تركيا بشكلها الحالي، حلّت القطيعة بين أردوغان وغولن تدريجاً، بدءاً من عام 2010، حتى انفجر الوضع بينهما على خلفية فضيحة الفساد. وأعلن أردوغان، في نيسان الماضي، أنه سيطلب من واشنطن تسليم غولن، مستدركاً حينها بالقول إن مثل هذا الإجراء «لا يمكن أن يجري إلا بعد أن تصدر مذكرة اعتقال وتعلن أدلة على وقوع جريمة».
وبعد إسقاط المحاكم التركية القضايا التي طاولت أردوغان، بدأ الأخير بحملة «تطهير» أجهزة الدولة من كل من يشتبه في انتمائه إلى جماعة «الخدمة» التي باتت تسمّيها أنقرة باسم «الكيان الموازي»، لاتهامها غولن وأنصاره بالسعي إلى إنشاء «دولة داخل الدولة»، وإطاحة حكم «العدالة والتنمية». وشنّت الحكومة التركية مراتٍ عدة خلال السنة الفائتة حملات توقيف موظفين في سلكي القضاء والشرطة ثم التعليم والإعلام، بهدف تفريغ المؤسسات من أنصار غولن، فضلاً عن عزلها آلاف ضباط الشرطة ومئات القضاة وممثلي الادعاء، للسبب نفسه.
ويوم أمس أيضاً، قرر القضاء التركي مواصلة اعتقال رئيس مجموعة «سمانيولو» الإعلامية، هداية كراجة، بتهمة «إدارة منظمة إرهابية»، والمدير السابق لشعبة مكافحة الإرهاب في اسطنبول، طوفان أرغودر، والمدير السابق لشعبة أمن اسطنبول، أرتان أرجيكتي، والضابط في الشرطة مصطفى قليج أصلان، بتهمة «الانتماء إلى منظمة إرهابية»، بعدما أوقفتهم الشرطة الأحد الماضي.
بالتزامن، أخلي سبيل 8 أشخاص رهن المحاكمة، بينهم رئيس تحرير صحيفة «زمان»، أكرم دومانلي، الموقوف في قضية «الكيان الموازي»، مع وضعهم تحت «الرقابة العدلية».
لا شك في أن القرار بحق غولن يمثل الخطوة الأكثر حسماً منذ بدء التباعد بين الحليفين السابقين. غير أن هذه القضية، رغم كل خلفياتها وتفاصيلها، تصبّ في سياق سعي أردوغان إلى التفرّد بالسلطة وعزل كل من يمكنه أن يهدد «عرشه» الذي يظنّه أبدياً.
(الأخبار)