أمس، حدث ما كان متوقعاً. كثيرون في الداخل الأميركي دأبوا على انتقاد خطوة الرئيس باراك أوباما وقراره بـ«تطبيع العلاقات» مع كوبا، بعد أكثر من خمسين عاماً على «العدائية المتبادلة». حتى إن محاولة أوباما إقناعهم في خطابه بأن السياسة الأميركية المتبعة اتجاه كوبا طيله هذه الحقبة، لم تفلح في شيء، لم تكن كافية مثلاً للتأثير في صحيفة «ذي واشنطن بوست» وغيرها، التي رأت أن أوباما أعطى النظام في كوبا «إنقاذاً غير مستحق». ورأت أنه منح هذا النظام كل ما كان يتمناه، من دون أن يقدم في المقابل أي تنازلات.
ولكن هذه الصحف لم تعلم أن خطوة أوباما وراءها منافع كثيرة لم تلحظها، وأن الإدارة الأميركية تحب أن تبقي بعض الأهداف غير المعلنة لنفسها، لتتضح مع الوقت وليظهر من وراء كل ذلك: «أميركا المروّجة للديموقراطية والمدافعة عنها.. والمنقذة للعالم».

وفي ظل هذا التجنّي من قبل عدد من الوسائل الإعلامية، كان لا بدّ من أن يشرح إعلاميون آخرون، نيّة الرئيس الأميركي، «الذي أنهى الجزء الأكثر حماقة وسخافة في السياسة الخارجية الأميركية».
في تقرير في مجلة «ذي أتلانتك» بعنوان «خلاصة جيّدة لسياسة سخيفة اتجاه كوبا»، انتقد الكاتب، جيفري غولدبرغ، هؤلاء الذي قالوا وسيقولون إن «خطوة أوباما ستشكل انتصاراً لكوبا»، معتبراً أنها «انتصار للولايات المتحدة». ومن أجل توضيح وجهة نظره، ضرب غولدبرغ مثلاً زيارته وعائلته لكوبا، في آذار الماضي، حيث اضطر إلى شرح الأوضاع السيئة التي تعيشها بعض المدن لأولاده، معللاً أن «السبب وراء ذلك هو النظام الشيوعي».
«هذا ما يجري عندما يكون الحكم في يد الحزب الشيوعي»، قال غولدبرغ، ليضيف بعد ذلك أنه بخطوة أوباما «تمّ فتح الباب أمام الإدارة الأميركية من أجل تغيير الاتجاه والتأثير على مسار الأحداث في كوبا»، أي بمعنى آخر إنقاذ هذا البلد، وهو طبعاً العمل الذي لا تنفك الولايات المتحدة تقوم به في كل دول العالم، بكافة الوسائل المتاحة وغير المتاحة. الكاتب جايمس فالوس الذي عمل سابقاً كاتباً لخطابات الرئيس، جيمي كارتر، رأى في مجلة «ذي أتلانتك» أيضاً، أن قرار أوباما «أنهى الجزء الأكثر حماقة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة»، ولكن كيف؟
بالنسبة لفالوس، هناك مقاربة أخرى للموضوع، وهي الأعوام الـ«35» الماضية تحديداً وليس الأعوام الـ«50» التي شهدت العلاقات السيئة بين البلدين. فـ«الـ35 هو نقطة الفصل في اللامنطقية التي لا يمكن نكرانها، حينها قامت الولايات المتحدة بتطبيع كامل العلاقات مع الصين (البلد البعيد)، الدولة الشيوعية التي يحكمها الحزب الواحد، والتي تملك أسلحة نووية إضافة إلى معاداتها العديد من حلفاء أميركا»، وذلك بدلاً من تصويب العلاقات مع كوبا «الجزيرة الصغيرة الموجودة ضمن مجال رؤية أميركا والتي بالتأكيد كانت ستقع تحت تأثير الهيمنة الثقافية والاقتصادية الأميركية، لو أعطيت لها الفرصة».
وللإمعان في الدفاع عن قرار باراك أوباما، والإشارة إلى المهمة السامية التي تقوم بها الولايات المتحدة بإصلاحها العلاقات مع كوبا، أكدت صحيفة «نيويورك تايمز» بدورها، أن «خطوة أوباما الجريئة أنهت أحد أكثر الفصول ضلالة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة».
وهي إذ أكدت دعمها لقرار الرئيس الأميركي، «بإزالة كوبا عن لائحة وزارة الخارجية للدول الداعمة للإرهاب وإلغاء القيود على السفر والتبادل التجاري»، إلا أنها أشارت إلى ما هو مخفي وراء كل ذلك، والذي يلخّص بعبارة أوضح وهي أن الإدارة الأميركية تريد أن «تبشّر بعهد من التحولات بالنسبة لملايين الكوبيين الذين عانوا نتيجة خمسين عاماً من العدائية بين الدولتين». ولم تقض «نيويورك تايمز» على الجهود السابقة التي قامت بها الإدارة الأميركية، بل إنها منحتها الشكر عليها. وهي قالت إن واشنطن «كانت محقة بالضغط من أجل المزيد من الحريات الشخصية والتغيير الديموقراطي (في كوبا)، رغم أن المقاربة العقابية التي اتبعتها قد أثبتت عدم جدواها ونتائجها العكسية». ولكنها أوضحت مع ذلك أنه «مع الوقت، سيصبح الدعم الأميركي للمجتمع المدني الكوبي والمعارضين أكثر فعالية، ذلك أن الحكومات الأخرى التي تدور في الفلك الغربي لن يكون أمامها مجال بعد الآن للتعامل مع كوبا على أنها ضحية سياسة الولايات المتحدة المؤذية وغير النافعة».
ولم تغفل الصحيفة ناحية إيجابية أخرى لخطوة الرئيس، وهي أنها ستؤدي إلى نتائج حسنة على الاقتصاد الكوبي، ومنها مثلاً أنه «سيقوي الطبقة الصناعية الكوبية التي تشهد تنامياً، من خلال السماح بالتبادل التجاري والمالي مع الولايات المتحدة».
من جهته، تحدث موقع «ديلي بيست» عن الشخص الذي من الممكن أن يشغل منصب السفير الأميركي في كوبا، وهو جيفري ديلورانتس، «الذي يشغل حالياً منصب رئيس بعثة في قسم رعاية مصالح الولايات المتحدة في هافانا».
ووفق الكاتبة إليانور كليفت، فإن ديلورانتس قد يكون «خيار الرئيس الأميركي من أجل شغل منصب القائم بالأعمال في كوبا». فـ«هذا الأخير، كان قد حظي سابقاً بقبول مجلس الشيوخ ليشغل منصباً في الأمم المتحدة، كما أنه عمل في هافانا مرتين سابقتين، إحداها في بداية التسعينيات والثانية بين عامي 1998 و2002».