شهدت أنقرة، يوم أمس، حملة اعتقالات واسعة ضد أنصار جماعة «الخدمة» التابعة للداعية الإسلامي فتح الله غولن الذي تتهمهم الحكومة بالتغلغل في أجهزة الدولة، في محاولةٍ لقلب نظام الحكم. الاعتقالات بتهمة الانتماء إلى جماعة غولن ومناصرتها ليست أمراً جديداً، إلا أن نطاق التوقيفات بدأ بالاتساع بصورةٍ كبيرة، شاملاً إعلاميين وصحافيين، حيث جرى أمس اعتقال رئيس تحرير صحيفة «زمان» القريبة من غولن، في وقتٍ هدّد فيه رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو بمحاسبة «الكيان الموازي» (جماعة غولن)، «أمام الشعب والتاريخ».
وتأتي حملة الاعتقالات الأخيرة بعد يومين من إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان «تنفيذ عملية جديدة ضد قوى الشر» التي يتهم عدوّه اللدود غولن، المقيم في منفاه الأميركي، بتحريكها، ويتهمه أيضاً بأنه وراء فضيحة الفساد التي طاولت أردوغان ومقربين منه، العام الماضي.

وألقت الشرطة التركية، أمس، القبض على 27 شخصاً من أصل 31 شخصاً صدر في حقهم قرار توقيف، في مداهمات جرت في 13 محافظة تركية، على خلفية التحقيقات في قضية «الكيان الموازي»، بينهم شرطيون وإعلاميون. وتتواصل التحقيقات في فرع «مكافحة الإرهاب» في إسطنبول، بعدما كشف النائب العام في المحافظة نفسها، هادي صالح أوغلو، عن «صدور قرار توقيف بحق 31 مشتبهاً فيهم في قضية تحقيقات الكيان الموازي»، قائلاً: «بدأنا تحقيقاً حق بعضهم، منهم إعلاميون، وموظفون في جهاز الأمن، بعد التثبت من تلفيقهم أدلة بحق منظمة وصفوها بأنها إجرامية».

وفي إطار الحملة التي تشنّها أنقرة على أنصار غولن، اعتقلت الشرطة، أمس، رئيس تحرير صحيفة «زمان» التركية الواسعة الانتشار، أكرم دومنلي. ودهمت الشرطة مقار الصحيفة مرةً ثانية بعد ظهر أمس، واعتقل دومنلي أثناء تجمع حاشد أمام الصحيفة للاحتجاج على حملات الاعتقال، وكان الحشد قد حال دون توقيف أي من العاملين في الصحيفة خلال عملية الدهم الأولى في الصباح.

وفي أول تعليق من أنقرة على حملة الاعتقالات، توعّد داوود أوغلو، أمس، أنصار الداعية غولن بمحاسبتهم أمام الشعب والتاريخ. وقال داوود أغلو إن «الذين تغلغلوا في مؤسسات الدولة للتنصت على رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية، وحاولوا القيام بعملية ضد رئيس جهاز الاستخبارات، لن يبقوا من دون محاسبة».
وفي كلمة له ألقاها، أمس، في المؤتمر الاعتيادي الخامس لحزب «العدالة والتنمية» في محافظة أدي يامان (جنوب شرق)، انتقد داوود أوغلو رئيس حزب «الشعب الجمهوري» كمال قليجدار أوغلو، بسبب تصريحاته حول التوقيفات التي جرت يوم أمس، قائلاً إن «ثقافة قليجدار أوغلو فيها وصاية».

ونال اعتقال دومنلي مع عددٍ مع الإعلاميين الأتراك انتقادات دولية عدة، أهمها التلويح الأوروبي بأن هذه الممارسات التركية من شأنها عرقلة مسيرتها نحو العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي. فقد أدان مسؤولون في الاتحاد الاوروبي مداهمات الشرطة لمقار إعلامية واعتقال صحافيين، واصفين ذلك بأنه «مناف لقيم الاتحاد الاوروبي». وأكد كلٌ من المنسقة العليا للأمن والسياسة في الاتحاد الاوروبي، فيديركا موغيريني، ومفوض «سياسة الجوار الأوروبي ومفاوضات التوسعة»، يوهانس هاهن، أن المداهمات «تتعارض مع حرية الإعلام التي هي المبدأ الجوهري للديموقراطية»، وأضافا أن هذه العملية تناقض القيم والمعايير الاوروبية التي تتطلع تركيا الى أن تكون جزءاً منها». وتابع البيان: «نذكّر بأن أي خطوة إضافية باتجاه ضم أي بلد مرشح تعتمد على الاحترام الكامل لحكم القانون والحريات الاساسية».
من جهتها، أعربت واشنطن عن «قلقها» من اعتقال الشرطة التركية أكثر من عشرين من الشخصيات الإعلامية البارزة في البلاد. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، جين بساكي، أمس، إن واشنطن «تتابع عن كثب التقارير حول المداهمات والاعتقالات». وأضافت أن «حرية الإعلام والاستقلال القضائي هما عاملان رئيسيان في كل ديموقراطية صحيحة ومبدآن راسخان في الدستور التركي»، متابعةً: «بوصفنا صديقاً وحليفاً لتركيا، فإننا ندعو السلطات التركية إلى ضمان عدم انتهاك تصرفاتها لهذه القيم الجوهرية ولأسس تركيا الديموقراطية».

(الأناضول، أ ف ب)