إسطنبول | فيما يطمح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى تعديل النظام في تركيا إلى رئاسي لتعزيز صلاحياته، بدأ يمارس تلك الصلاحيات عملياً، متخطياً الدستور التركي، إلى جانب استمراره باتخاذ القرارات التعسّفية التي وصلت إلى قطاع الإعلام بعدما مرّت على أجهزة الدولة كافة، عبر اعتقال الموظفين بتهمة الانتماء إلى جماعة فتح الله غولن.
وأخيراً، أمر أردوغان بتشكيل «مجلس استشاري» تابع له في القصر الجمهوري، يضم ١٣ شخصاً، «للإشراف على سير الأمور في البلاد». وقال كبير مستشاري الرئيس، بينالي يلدرم، إن هذا المجلس «سيساعد رئيس الجمهورية خلال أدائه لعمله خلال المرحلة المقبلة»، حيث سيبدأ أردوغان بترؤس اجتماعات مجلس الوزراء أيضاً. وتعرّض قرار أردوغان وتصريحات يلدرم، لهجوم عنيف من أحزاب المعارضة التي رأت أن أردوغان «يسعى إلى تغيير النظام من برلماني إلى رئاسي عملياً، من دون مراعاة مواد الدستور الحالي، بحيث يصبح هو الرئيس ورئيس الوزراء معاً». وقالت مصادر في حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، إن أردوغان، من خلال تصرفاته الحالية، يسعى إلى تهيئة الرأي العام لاستفتاءٍ شعبي، سيقترحه بعد الانتخابات البرلمانية في حزيران المقبل، في حال فوز حزبه. حينها، يصبح رئيساً للجمهورية بكامل الصلاحيات التشريعية والتنفيذية، وذلك لضمان استمرار حكم حزبه منذ نهاية ٢٠٠٢، بعدما اثبتت استطلاعات عدة للرأي، تراجع شعبية الحزب، خصوصاً بعدما تولّى أحمد داوود أوغلو زعامة الحزب ورئاسة الوزراء، لكونه «لا يملك الكاريزما التي يملكها أردوغان وأثرت خلال شغله للمنصبين المذكورين». وتتوقع مصادر «العدالة والتنمية» مشاركة أردوغان بصورةٍ مباشرة في الحملة الانتخابية للحزب خلال المرحلة المقبلة، على الرغم من تناقض ذلك مع الدستور الذي يفرض على الرئيس أن يكون مستقلاً، ويمنعه من الانحياز إلى أي حزب سياسي.
أمر أردوغان بتشكيل
«مجلس استشاري» تابع له في القصر الجمهوري

ويعيش الإعلام التركي هذه الأيام، فترةً خطيرة، بعدما أفادت مصادر عدة، في ساعة متأخرة من ليل أول من أمس، بمعلوماتٍ عن خطة أمنية وضعتها الحكومة لاعتقال ما لا يقلّ عن ١٥٠ من الإعلاميين العاملين في وسائل الإعلام التابعة للداعية الإسلامي فتح الله غولن، العدو اللدود لأردوغان. وقد تجمع المئات من هؤلاء، صباح أمس، أمام القصر العدلي في إسطنبول، وتقدّموا بطلبات توضيح حول وضعهم وعن مدى صحة الادعاءات التي أكدها نائب رئيس الوزراء بولنت أرينج بطريقة غير مباشرة. وتتحدث معلومات عن «خطة حكومية للقضاء على كل وسائل الإعلام التابعة لغولن قبل الانتخابات البرلمانية المقبلة»، وذلك بواسطة قرارات «منع البث» التي سيصدرها المجلس الأعلى للإعلام المسيطر عليه من قبل الحكومة، ومن خلال الرقابة المالية المشددة على تلك المؤسسات، في سياق البحث عن أي مبرّر لإغلاقها.
وتقول مصادر أخرى إن الحكومة ستستغل هذه الحملة ضد جماعة فتح الله غولن، وستسعى إلى توسيعها حتى تشمل عدداً مماثلاً من الإعلاميين المحسوبين على المعارضة بأشكالها كافة، ليكون الشارع مهيأً لسياسات أردوغان ومشاريعه المستقبلية الرامية إلى تحويل تركيا إلى «دولة دينية استبدادية»، على حد قول قيادات المعارضة، وفي مقدمتها زعيم حزب «الشعب الجمهوري»، كمال كليتشدار أوغلو، وزعيم الحركة القومية، دولت بهشلي. وفي هذا الإطار، تستعد الحكومة لإقرار تشريعات جديدة وصارمة ضمن «حزمة إصلاحات الأمن الداخلي»، بذريعة الحفاظ على النظام العام، وسيتسنى لها من خلال هذه التشريعات ملاحقة واعتقال كل من يهاجم أردوغان. وأول غيث هذه «الإصلاحات»، اعتقال عضو البرلمان السابق عن حزب «العدالة والتنمية» الحاكم فوزي إيش باشاران، بسبب تغريداته عبر موقع «تويتر»، اتهم فيها أردوغان بالفساد والسرقة.
كل ذلك في وقتٍ يتوقع فيه كثيرون أن تتحرك الحكومة إعلامياً أو أمنياً خلال هذا الأسبوع «لإلهاء» الشعب التركي بقضايا ثانوية، حيث تصادف ذكرى قضايا الفساد التي أثيرت بحق أردوغان وبحض وزراء الحزب الحاكم، في ١٧ كانون الأول من العام الماضي. وتقدّر مصادر مختلفة حجم هذا الفساد بما لا يقل عن ٦٠ إلى ٧٠ مليار دولار. تلك الفضيحة أدت إلى انفجار الصراع بين أردوغان وحليفه السابق فتح الله غولن الذي يحمّل الرئيس التركي موظفين موالين له، مسؤولية كشف أسرار قضايا الفساد، عبر عمليات التنصّت. وقد شنّ أردوغان خلال العام الماضي حملةً واسعة على هؤلاء، وجرت تصفيتهم من جميع أجهزة الدولة، خصوصاً الأمن والاستخبارات والقضاء.