لم تتلاشَ آمال المعارضة التركية في العضوية الكاملة لبلدها في الاتحاد الأوروبي، حيث أوردت مصادرها أن 50 بالمئة من الشعب التركي يؤيدون الانضمام إلى أوروبا. وكانت أنقرة، في بداية عام 2014، قد أعطت الأولوية لهذه المسألة، خصوصاً بعدما ازداد الانطباع بأن تركيا والاتحاد الأوروبي أصبحا متابعدين بعد «الربيع العربي»، حين بدا جلياً أن تركيا قد صرفت اهتمامها عن الإنضمام إلى الاتحاد الأوروبي، مستديرةً بصورةٍ كلية نحو الشرق الأوسط، ومركزةً سياستها على محيطها العربي.

في مرحلةٍ معينة، أشاد الاتحاد الأوروبي بالإصلاحات السياسية التي قامت بها تركيا، وأثنى على أهمية سياستها الخارجية «النشطة» في منطقتها، وعلى أهمية اعتمادها «القوة الناعمة»، قبل انغماسها في مشاكل المنطقة، معتبراً كذلك أن نظامها الديموقراطي العلماني يؤهلها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
لكن بعد احتجاجات حديقة غزي، ثم فضيحة الفساد التي طاولت الرئيس رجب طيب أردوغان وبعض الوزراء، بدأت الاعتراضات على سياسة تركيا تظهر في تقارير الاتحاد الأوروبي في أواخر عام 2013. حينها، إلى جانب الإشادة بجهود أنقرة في حلّ مشكلتها الكردية المزمنة بالوسائل الديموقراطية، أكد التقرير على وجوب استمرار تركيا في تنفيذ الإصلاحات السياسية السابقة، منتقداً ميل أردوغان إلى الاعتماد حصراً على أغلبيته في البرلمان لتمرير القوانين والقرارات، من دون التشاور والحوار مع الأحزاب الأخرى أو أخذ ملاحظاتها بعين الاعتبار. أما التقرير المرحلي لعام 2014، فقد انتقد أنقرة، في ما يتعلق بكيفية معالجة الحكومة لادعاءات الفساد، مبدياً مخاوف بشأن استقلال القضاء والفصل بين السلطات. كذلك أشار إلى تقييد حرية التعبير ومحاولات حظر وسائل التواصل الاجتماعية.
الحكومة التركية رفضت هذه الاتهامات، واتهمت لجنة الاتحاد الأوروبي بـ «التحيز»، و«بعدم النظر إلى الصورة الكاملة». لكن تصريحات الأخيرة لأردوغان عن «عدم جواز المساواة بين الرجل والمرأة»، أدت إلى التشكيك في التزامه بـ «قيم الاتحاد الأوروبي»، كما أن قرار تعليم الدين الإسلامي في المدارس وإعادة تعليم اللغة العثمانية التي تُعتبر خليطاً من التركية والعربية، أثار تساؤلات حول معايير الاتحاد الاوربي التي تعهدت تركيا الالتزام بها.
تستعد الدولة التركية اليوم لإدخال تشريعات جديدة، «صارمةً» في ما يتعلّق بالحقوق الفردية. ويبدو الصراع على أشده في الداخل، حيث يتهم العلمانيون أردوغان بالابتعاد عن معايير الاتحاد الاوروبي، متجاهلين رفض فرنسا وألمانيا لعضوية أنقرة الكاملة في الاتحاد الأوروبي، فالدولتين الأوروبيتين لا ترحّبان بالعضوية الكاملة لأنقرة، لكون تركيا «ليست بلداً أوروبياً». كذلك، استخدمت قبرص بدورها، كعضو في الاتحاد الأوروبي حق النقض، في محادثات عضوية تركيا، في مسعى لمحاولة حلّ المشكلة القبرصية وفقاً لمصالحها الوطنية.
هذه الوقائع استخدمها الأتراك المعارضون لعضوية الاتحاد الأوروبي، للقول إنه ينبغي على أنقرة التخلّي عن سعيها للعضوية الكاملة، والبحث عن شركاء استراتيجيين أماكن أخرى.

غير أن أردوغان، وفي أول خطابٍ بعد انتخابه رئيساً في آب الماضي، حدّد استراتيجية عهده القائمة على السعي إلى العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي. لذا، عيّن مولود جاويش أوغلو وزيراً الخارجية، والدبلوماسي السابق فولكان بوزكير وزيراً للاتحاد الأوروبي، ما يشير إلى إرادة متجددة للحكومة في استئناف العلاقات والتطلّع جدياً باتجاه الغرب. لكن انقرة اصطدمت بالمشاكل المتراكمة، والفجوة الآخذة في الاتساع بينها وبين الاتحاد الأوروبي، المنتقد لانغماس أنقرة في شؤون الشرق الأوسط، وخصوصاً بعد رهان أردوغان على «الديموقراطية الإسلامية» في مصر وسوريا وتونس. وترى بروكسل أن فشل رهان أردوغان، أوجد نحو 1.6 مليون لاجئ سوري في الداخل التركي ومشاكل أمنية على الحدود، في ظلّ وجود تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش).
لكن يبدو أن الحكومة التركية حصلت، أخيراً، على ردٍّ إيجابي من بروكسل على تحركاتها، ما تؤشر إليه زيارة وفد من شخصيات رفيعة من الاتحاد الأوروبي، للمرة الأولى على هذا المستوى، الأسبوع الماضي. تأتي هذه الزيارة بعد أسبوع من زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنقرة، حيث أعلن تخلّيه عن مشروع خط أنابيب الغاز «ساوث ستريم» واختيار تركيا شريكا مفضلا لإقامة خط أنابيب بديل.
الزيارة الأوروبية المثيرة للاهتمام، تعكس قلق الاتحاد من التعاون الروسي ـ التركي، وهي جاءت لتحثّ على المزيد من التعاون ضد «الدولة الإسلامية» وللضغط على أنقرة لعدم تقويض عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا. وتأتي تصريحات الاتحاد الأوروبي التي تعكس تمسكاً بتركيا، للتأكيد ضمناً على رفضه «التنافس» مع روسيا على تركيا.