ما أعلنه الرئيس الإيراني، حسن روحاني، خلال افتتاح مؤتمر «عالم خال من العنف والتطرف» في العاصمة الإيرانية طهران، بشأن سبل مواجهة التطرف والإرهاب في العالم، وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، شكّل محطة جديدة من محطات الاعتدال في السياسات الخارجية الإيرانية، التي شقّت طريقها منذ تولي روحاني رئاسة الجمهورية.فالبنود التي أعلنها روحاني، أكدت الجدية التي تتعاطى من خلالها إيران مع ملف، بات يشكل أخطر الملفات الساخنة التي تعيشها الساحة الإقليمية والساحة الدولية. وقد بدأ المنحى الاعتدالي لدى إيران مع مسار المفاوضات النووية، ثمّ أرادت أن تعمّم هذه السياسة في ملفات أخرى، كملف مكافحة العنف والإرهاب.

وانطلاقاً من سياسة الاعتدال التي تنتهجها، سعت إيران إلى إيجاد ائتلاف إقليمي ودولي يتولى مكافحة الإرهاب والتطرف، في وقت تتزايد فيه الشكوك الإيرانية تجاه السياسة الأميركية، إن كان في ملف المفاوضات النووية أو حتى في ملف مكافحة الإرهاب.
فقد أظهرت جولات المفاوضات في الملف النووي الإيراني مع الأوروبيين والأميركيين، مواقف وسياسات متغيّرة، ما أبقى إيران حذرة ومتشائمة حيال المناورات السياسية الأميركية. وأيضاً عززت التقلبات السريعة في المواقف الأميركية المتصلة بالملف النووي، الحذر الإيراني تجاه سلوك الإدارة الأميركية والمناورات التي قد تجريها في ملف مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط، علماً بأن تبدلات الموقف الأميركي كانت تستند بصورة رئيسية، إلى ما سُمي «قلق» شركائها وخصوصاً فرنسا، التي جاءت إلى المفاوضات لإمرار التمديد، وبالتالي الاستمرار في فرض العقوبات التي أعلنها مجلس الأمن الدولي على إيران، كورقة ضغط في الملف النووي وفي ملفات أخرى.
واستناداً إلى ما تقدّم، تحتاج سياسة الاعتدال الإيرانية إلى توفر إرادة إقليمية ودولية، وخصوصاً أن إيران لا ترى أن العالم سينجح في القضاء على الإرهاب ما لم تتوفر هذه الإرادة، وما لم تنخرط في هذا الملف دول إقليمية فاعلة ومؤثرة في الشرق الأوسط، مثل تركيا والسعودية.
وعلى هذا الصعيد، فإن المشكلة التي قد تواجه إيران مع القوى والدول الإقليمية، ومنها تركيا، هي تعريف الإرهاب. وفي هذا السياق، تبرز تساؤلات عدة بشأن ما إذا كانت تركيا تعتبر ما يُسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ظاهرة إرهابية، أم أنها تتعاطى معها كأداة عسكرية تنطلق من مفاهيم إسلامية تنسجم مع إسلام حزب «العدالة والتنمية»؟
الأمر نفسه ينطبق على السعودية، فالمشهد الإقليمي وحتى الدولي يشير إلى أن ما يجري يشكل تجزئة مشوّهة لمفهوم الإرهاب وتعريفه، وخصوصاً أن التعاطي معه يتم بمكاييل وموازين متعدّدة.
إضافة إلى ذلك، لا يمكن أن نغفل الضغوط التي مارسها اللوبي الصهيوني على الولايات المتحدة، الأمر الذي يدلّ على أن الأميركيين غير ثابتين في منهج الحوار في المفاوضات النووية بين إيران والأوروبيين والأميركيين، بمشاركة روسيا والصين، بل هم يتحركون في هذا الملف، انطلاقاً من حساباتهم ومصالحهم الآنية في المنطقة.
وكثيرة هي العناوين الكبيرة للملفات التي تشكل كباشاً إقليمياً ودولياً، بين الدول والقوى المتصارعة، وهي ملفات مترابطة ووثيقة الصلة بعضها ببعض، كما أنها ملفات من العيار الثقيل. هناك ملف المنظمات الإرهابية المتطرفة في سوريا والعراق وطغيان سياسة بيع الأسلحة وتدفقها إلى هذه المنظمات، وفتح حدود بعض الدول المجاورة لسوريا أمام المنظمات الإرهابية، وملف انخفاض أسعار النفط العالمية وما تحمله من تأثيرات سلبية على إيران وروسيا، وأيضاً على الدول العربية في الخليج.
وإزاء عدم وضوح الرؤية الأميركية في الملفات الخاصة بالشرق الأوسط، تتزايد الشكوك الإيرانية حول جدية الإدارة الأميركية ونياتها في مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط. وهي قدمت نموذجاً طغت عليه سياسة التهرب والمناورة، في الملف النووي، حين تلكأت في الوصول إلى اتفاق نهائي. من هنا وكما بات واضحاً، فإن الأميركيين والأوروبيين ليسوا في عجلة من أمرهم، في الوصول إلى اتفاق نهائي في الملف النووي الإيراني، ما سيعقّد معالجة الملفات الأخرى في منطقة الشرق الأوسط.