نيويورك | لا تزال الولايات المتحدة، الدولة المضيفة لمنظمة الأمم المتحدة، ترفض منح مندوب إيران الدائم، حميد أبوطالبي، تأشيرة دخول لممارسة عمله، وذلك بحجة أنه كان مشاركا في عمل تراه واشنطن في حساباتها إرهابيا. هذا المنع يعدّ حالة فريدة في تاريخ الأمم المتحدة الممتد على ٦٩ عاما، وهو متواصل برغم أن معاهدة العلاقة مع الدولة المضيفة (أميركا) تنص على ضرورة منح التأشيرات بصرف النظر عن العلاقة بين الدولة العضو والمضيفة.
في السياق، أثارت إيران القضية مع اللجنة القانونية السادسة التي تتبع للجمعية العامة، وهي متخصصة في العلاقة مع الدولة المضيفة، وشكت لها التعقيدات البيروقراطية التي تفرضها الولايات المتحدة على بعثتها، ومن ذلك عرقلة منح تأشيرات الدخول التي تتأخر أحيانا لسنوات، أو في حجم الاستمارات اللازم تعبئتها لطلب التأشيرة، ثم التلكؤ عن منح تأشيرات العودة بما يعرض المستقبل الدراسي لأبناء الديبلوماسيين للتعطيل الطويل.
ومع أن هذه السياسة تطبقها واشنطن على عدد من البعثات الأخرى غير المفضلة لديها، فإنها تبقى أمرا مسيسا وينافي القواعد الديبلوماسية، ووصلت حد حرمان عائلات بكاملها تأشيرات العودة من إجازاتها. وامتدادا لتلك السياسة، تمارس المصارف الأميركية انتقائية في طريقة تعاملها مع الديبلوماسيين الإيرانيين، فهي تحرمهم حق فتح حسابات مصرفية، وتقفل أي حسابات لهم.
وساندت طهران في احتجاجها الذي قدمته إلى اللجنة المذكورة كل من كوريا الشمالية وروسيا البيضاء وكوبا والاتحاد الروسي والصين والإيكوادور، وبرز ذلك في اجتماعات اللجنة القانونية التي خرجت بتقريرها السنوي، وأصدرت قرارا بهذا الخصوص يوم الجمعة الماضي.
ساند المندوب الإيراني في احتجاجه ممثلو روسيا وسوريا وكوبا

في المقابل، ردت مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، السفيرة سامنتا باور، على اللجنة، بأن بلادها «تحترم معاهدة المقر الرئيسي تماما»، وبأنها تصرّف آلاف معاملات التأشيرات سنويا، «لكن بعض الطلبات تحتاج إلى المزيد من الإجراءات الإدارية». وأضافت باور ردا على الشكاوى أن «الطلب الذي تقدم به الديبلوماسي الإيراني حميد أبوطالبي يجري التعامل معه بجدية»، لكنها أكدت رفض الدوائر الأمنية منحه التأشيرة لكونه «شارك في حرمان ديبلوماسيين أميركيين حصانتهم الديبلوماسية وتفاخر بذلك».
أيضا شرحت المندوبة أن أبوطالبي كان عضوا في المجموعة المسؤولة عن «احتلال السفارة الأميركية في طهران» عام ١٩٧٩، مستطردة: «برغم قوله إنه لم يكن ضمن مجموعة اقتحام السفارة، فإنه أقر بدخوله السفارة مرتين أثناء احتلالها وشارك في الترجمة للخاطفين في مؤتمرات صحافية». وأضافت أن الديبلوماسي الإيراني قال في العام نفسه «أثناء زيارة إلى الجزائر إنه ممثل للمجموعة التي تحتجز الرهائن، وكان يسافر آنذاك مع عباس عبدي الذي شارك في احتلال السفارة، وفوق كل ذلك يفاخر بأنه يدعم الأفعال الإرهابية».
بعد كل هذا الشرح للأسباب التاريخية، استدركت باور بأن بلادها «درست القضية مطولا، وكذلك نص المعاهدة، ثم وجدت أنها حالة استثنائية»، لذلك فإن موقف حكومتها بعدم منح تأشيرات للمشاركين في تلك الأزمة «ليس جديدا»، كما قالت إنهم نقلوا إلى الحكومة الإيرانية رأيهم وتمنوا عليها حل القضية بطريقة «واضحة وهادئة». وانطلاقا من ذلك، لم تر المندوبة الأميركية أن واشنطن تنتهك بنود معاهدة الدولة المضيفة لمقر الأمم المتحدة الرئيسي، لأننا أمام «حالة استثنائية لكونها ترتبط بحدث فريد ومؤلم في تاريخنا»، علما بأنها قالت في وقت سابق إن وجود أفراد على هذا النمط داخل الولايات المتحدة «لا يطاق».
من جهة أخرى، رد مندوب روسيا في اللجنة بأن مسألة «من هو إرهابي ومن هو غير إرهابي» يجب ألا تعالج داخل اللجنة السادسة، «لأن القضية تتعلق بتطبيق معاهدة المقرّ»، مشددا على ضرورة تطبيق المعاهدة مع الدولة المضيفة بحذافيرها، كما عبّر المندوب الروسي عن قلقه من إمكانية وجود حالات تعبر عن «عدم احترام معاهدة المقرّ ومن شأنها أن تمثل عرقلة لعمل المنظمة الدولية»، معطيا مثالا على ذلك بحرمان مندوب إيران تأشيرة الدخول، ليكشف أن موسكو «واجهت مشكلات مماثلة بالنسبة إلى عدد من ديبلوماسييها الذين لم يتمكنوا من حضور مناسبات في المنظمة الدولية».
أما المندوب الإيراني، فقال إنه لا يرغب في الدخول في جدل عن العلاقة بين بلاده والولايات المتحدة، فهي «علاقة تعتريها خلافات كثيرة على مدى أكثر من ٣٠ عاما»، مؤكدا في الوقت نفسه أن «الشعب الإيراني يختزن ذاكرة مريرة في هذا الإطار، لكن مجال المناقشة ليس في إطار اللجنة السادسة».
ورفض المندوب التفسير الذي قدمته مندوبة الولايات المتحدة في اللجنة، لأن «الحجج المقدمة لا تبرر حرمان التأشيرة لمندوب دائم»، لافتا إلى أن تقرير اللجنة عام ٢٠١٠ «تضمن تعهدا أميركيا بتصريف معاملات التأشيرات دون تعطيل بعد بحث الأمر مع الداخلية الأميركية... هذه المرة الأولى التي يرفض فيها طلب تأشيرة لسفير دولة عضو بناء على تخمين محض».
وقبل نهاية اللقاء، تعهد رئيس اللجنة متابعة القضية بجدية تامة، مناشدا الدولة المضيفة (أميركا) تسهيل التأشيرات الديبلوماسية.
وفي السياق، تحدث مندوب سوريا في اللجنة عن ضرورة تسريع تجديد تأشيرات الدخول للديبلوماسيين وأسرهم، ولا سيما أن تجديد التأشيرة لمدة ستة أشهر يستغرق أحيانا بين ٤ و٥ أشهر! حاثا على منح مندوب إيران الدائم التأشيرة التي يستحقها «بموجب معاهدة المقر».
وفي ختام الاجتماع السنوي، جرى تبني طلب يناشد بحرية التنقل في الأراضي الأميركية للبعثات الديبلوماسية، ورفع القيود المفروضة على عدد من أفراد البعثات مثل البعثة الكوبية والبعثة السورية وغيرهما، وذلك مع رفع القضية إلى الأمين العام للأمم المتحدة.