كررت تل أبيب أمس موقفها الرسمي الرافض للمفاوضات النووية الغربية مع إيران، من دون أن تضيف جديداً. إلا أنّ الرفض المتكرر، القديم الجديد، يكتسب أهمية خاصة في هذه المرحلة، وتحديداً في سياق بدء المفاوضات النووية في عاصمة سلطنة عمان مسقط، وبالتزامن مع الرسالة الأميركية للقيادة الإيرانية، التي توجّست إسرائيل منها كثيراً، وعدّتها تخاذلاً ورضوخاً من الإدارة الأميركية تجاه الإيرانيين.
موقف إسرائيل جاء على لسان رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو، أمس، الذي عاد وكرّر سقوف الرفض الإسرائيلية والتعبير عن الإستياء من السياسات الأميركية تجاه إيران، مشيراً إلى أنّ المطلوب ليس فقط أن لا تنتج إيران سلاحاً نووياً، بل أيضاً القدرة اللاحقة على الانتاج، بما يشمل وقفاً كاملاً ونهائياً لعمليات تخصيب اليورانيوم، الأمر الذي تجاوزته المفاوضات نفسها، وأيضاً لا يتلاءم مع موازين القوى التي استطاعت إيران أن تفرض نفسها فيها كندّ للولايات المتحدة في المنطقة.
موقف نتنياهو الرافض للمفاوضات الغربية مع إيران، هو أيضاً انعكاس لفقدان الثقة بإدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في إدارة الموضوع النووي الإيراني، الأمر الذي تعزّز أكثر بعد أن باتت الأمور تتجه نحو إنتاج اتفاق لا يلبي الطموحات الإسرائيلية، وخارج إطار الحد الأدنى والأقصى، الذي تطمح إليه تل أبيب.
في موازاة ذلك، موقف نتنياهو الرافض، يفرض على إسرائيل تحدياً لمرحلة ما بعد 24 تشرين ثاني، الموعد النهائي لمفاوضات 5+1 وإيران، وتحديداً بما يتصل بالموقف والفعل الواجب اتخاذهما إسرائيلياً، سواء تم التوصل إلى اتفاق أو لم يتم.
وفي مستهل جلسة الحكومة الإسرائيلية أمس، قال نتنياهو إن «حاكم إيران (مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية) علي خامنئي، احتل العناوين في الأيام الأخيرة، وبالأمس فقط دعا إلى إبادتنا (…) وإيران تواصل ترويج الأكاذيب، وتضليل العالم حول برنامجها النووي وعملياتها التي تسعى إلى امتلاك الأسلحة النووية».
وطالب نتنياهو العالم بضرورة الإختيار بين خيارين اثنين: «إما الاستسلام لإيران من خلال التوصل إلى اتفاق استسلامي يشكل خطرًا ليس على إسرائيل فحسب بل على العالم أجمع، وإمّا الإصرار على المطالبة بأنه سيتم نزع القدرة الإيرانية على إنتاج الأسلحة النووية»، وأضاف «إسرائيل لن تقبل اتفاقًا يبقي إيران كدولة حافة نووية. هذا سيشكل خطرًا علينا جميعاً».
في السياق نفسه، شدد مسؤول إسرائيلي بارز على أن إتفاقاً بين الولايات المتحدة وإيران، أو تمديد المحادثات حول قدرات إيران النووية، هما خياران سيئان من شأنهما المساهمة في إزدياد زعزعة الإستقرار في الشرق الأوسط، والسماح لإيران بتطوير أسلحة نووية بسهولة نسبية.
وأكد المسؤول الإسرائيلي، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن اسمه، لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، أنه خلال المحادثات النووية، خضعت الولايات المتحدة مراراً وتكراراً للمطالب الإيرانية، في حين أنّ إيران لم تتراجع عن مواقفها المبدئية، مضيفاً «سيكون إتفاقاً سيئاً، فعدد أجهزة الطرد المركزي التي وافقت الولايات المتحدة على السماح بها للإيرانيين آخذ بالإرتفاع. وحالياً هناك حديث عن 5000 جهاز طرد مركزي، في حين أنه من الواضح أن الإيرانيين لا يحتاجون هذا العدد الكبير لأغراض مدنية».
وأكّد المسؤول، أنه من الواضح أنّ إيران قامت بتجارب نووية في منشأة بارشين العسكرية السرية، التي منعت الحكومة الإيرانية مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من دخولها، بالرغم من مطالبات مستمرة من قبل الوكالة بتفتيش الموقع.
وقال المسؤول الإسرائيلي: «إن مشاريع أسلحة أخرى، مثل مشروع الصواريخ طوية المدى الإيرانية، لم يتم حتى تداولها في المفاوضات، وأضاف أنّ الولايات المتحدة حريصة على إصلاح العلاقات مع إيران للمساعدة من أجل حل مسائل إقليمية أخرى»، وتابع: إن «الولايات المتحدة ترى في إيران محوراً هاماً نحو معالجة الصراعات في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن»، لافتاً إلى أنّ النظام الإيراني متورّط بعمق في النزاعات المشتعلة في تلك البلدان.
كما أشار أنّ «المشكلة الإيرانية تُذكّر حالياً بفيلم لشارلي شابلن، حيث يقوم بإرسال إبنه لتكسير نوافذ حتى يتمكن من إصلاحها»، في إشارة منه إلى فيلم «الطفل» من عام 1921. ولم يفصل المسؤول الإسرائيلي نيات إيران، أو ما إذا كانت الحكومة الإسرائيلية تخطّط لإحباط طموحات إيران النووية.
إلى ذلك، تناولت صحيفة «إسرائيل اليوم»، المقربة من نتنياهو، تصريحاً للرئيس الأميركي، باراك أوباما، قال فيه إنّ عدم التوقيع على إتفاق مع إيران أفضل من التوقيع على اتفاق سيئ، وسألت: «هل يقصد أوباما ما يقول؟ والسؤال أيضاً إلى أي حد يمكن للاتفاق الجيد بالنسبة إلى واشنطن، أن يكون جيداً بالنسبة إلى إسرائيل؟».
وأكدت الصحيفة أنّ السنوات الأخيرة أثبتت أنّ واشنطن لا تعرف حل لغز الشرق الأوسط، و«للأسف الشديد، هذا ما حدث في مصر، وليبيا، وسوريا ومع الفلسطينيين، وهذا ما حصل أيضاً مع (داعش) وإيران. وينبغي الإقرار أنّ المسألة تتعلّق بمشكلة تشمل الغرب بشكل عام»، وليس الأميركيين وحسب.
وبحسب الصحيفة، «ينبغي أن نفهم أن الغرب معنيّ بالوصول إلى إتفاق أكثر مما يعنيه ذلك للإيرانيين، وفي العقد الأخير كذب الإيرانيون ثلاث مرات بما يتعلق بمشروعهم النووي. وكان يجب أن تجري المفاوضات معهم من موقع القوة، وليس من موقع التوازن. والإيرانيون هم من يجب أن يتنازلوا ويخضعوا، وهم من عليه التوسل للتوصل إلى اتفاق، إلا أنّ ذلك كلّه لم يحصل قط».