استولت الولايات المتحدة على كاليفورنيا بعدما حسمت حربها مع المكسيك عام 1847، وراجت اثر ذلك الهجرة الى الغرب من قبل مستعمري شمال القارة. سُميت تلك الحقبة حمّى الذهب الكاليفورنية، اذ جرى اكتشاف مخزونٍ ذهبي في صحراء الغرب وبات العمل في المناجم مصدر ثراء مغرٍ للوافد الاوروبي.
ولذلك أصبحت عبارة «اذهب غربا أيها الشاب» جزءا من الثقافة الشعبية الشمال-أميركية. كان هذا القول يعبّر عن «الحلم الاميركي» في حينها، الذي كان يجسده الذهب الأصفر. طبعا كذب من قال ان الذهب لا يسودّ، فمع الوقت صار «الذهب» أسود واتجه الجشع الى صحراء العرب بحثا عنه.
يذكر هنا ان سروال الجينز الذي بات من اكثر السراويل انتشارا في العالم كان قد اخترع في هذه الحقبة في كاليفورنيا، ليناسب ظروف العمل في المناجم والمصانع. انتشار ملابس العمال قابله انتشار مفهوم البحث عن الذهب كركيزة اقتصادية. وحالما استُهلك مصدرٌ ذهب الناس بحثا عن مصادر اخرى. نظام «اذهب غربا أيها الشاب» بات النمط الاقتصادي السائد عالميا حيث تخطط الحكومات ومن ورائها المنظومات الموازية للحكومة لكيفية استغلال الموارد الطبيعية، الى ان أصبحت السياسة والحرب تداران لحيازة الموارد واستهلاكها، وما للبشرية من دور في هذا الاقتصاد الا لخدمة ما دفنته الارض واختزنته في العصور الجيولوجية السابقة. فبعد الذهب اصبح هوس الاقتصاد الطاقة التي ينتجها الفحم والمشتقات النفطية، وأصبح بشر اليوم خداماً لبقايا ديناصورات وكائنات متحجرة عاشت على الارض من آلاف السنين ورقدت في جوفها نفطا.
الاقتصاد عينه يحرك الارض شرقا وغربا اليوم. قد يكون الشرق الصيني قد استغل نمط الاستهلاك الغربي الذي يحركه اقتصاد النفط حتى يوظف الناس، لكن تبقى وظيفتهم هذه متمحورة حول خدمة هذا النمط الذي لا يشبع. لا بل إنّ حمّى الايفونوفيليا (هوس الهاتف المسمى ايفون)، التي تنتشر في مطلع كل خريف، أوضح مثال على هذه الحالة الاستهلاكية التي لا يصح وصفها الا بالمرضية.
تؤدي مؤسسة البنك الدولي ومستنسخاتها دور الخفير على هذا النظام. لم يخرج احد طوعا من هذا النظام الذي فرض على الجميع بعد الحرب الباردة، والخوارج القليلين جرت معاقبتهم على طريقة الطالب المشاغب الذي يوقفه المعلم في الزاوية.
سيناريو فيلم الرعب الذي نعيشه مسرَحَته هوليوود، التي نشأت على أنقاض غرب الذهب. الأموات الذين ارتقوا من جوف الارض لم يكونوا زومبيز بل فحماً وموارد احفورية. الاختراع الذي تفوق على العقل الذي ابتدعه لم يكن روبوتا ثائرا، كما تخيّل روّاد الخيال العلمي كاسحاق عظيموف، بل اليد الخفية لآدم سميث. ومرة اخرى تصدق رواية الأديان السماوية وها نحن اضحينا بني آدم. سبحان الله.
لكن لا داعي إلى اليأس. كما في أفلام هوليوود المنقذ الاميركي آت؛ المنقذ الذي سيعيد الاعتبار للانسان في وجه الزومبي والروبوت. انه يتسلح باقتصاد «الانسان اولا». البطل الجبار هذا يستبدل شعار «اريد المزيد من الذهب» بــ»اريد المزيد من الحياة». هذا الاميركي لا يزال يؤمن بكلمة «يكفي». أميركي لا يزال يستلذّ بإحساس الشبع ولا يسعى إلى التخمة، لكن لن تجد الأمل الاميركي في شمال القارة. اذا أردت البحث عن الانسانية الضائعة... فاذهب جنوبا أيها الشاب.