استوكهولم | قبل عقد من الزمن، وتحديداً في شهر أيلول من عام 2003، اغتيلت وزيرة الخارجية السويدية آنذاك، آنا ليند، أثناء تسوقها في أحد أكبر المجمعات التجارية وسط العاصمة استوكهولم.
أثبتت نتائج التحقيق في ما بعد أن القاتل شخص معتوه، ويعاني من أمراض نفسية. وعلى إثر ذلك حكم عليه بالسجن المؤبد وأغلق التحقيق. لكن تاريخ عمل ليند الديبلوماسي يكشف أنها سيدة سياسية ذات صوت عالٍ في مواجهة الظلم والاضطهاد، ولا سيما القضايا التي تتعلق بفلسطين. كان لها الكثير من المواقف، أبرزها انتقادها لحكومة أرئيل شارون، إبّان حصاره مخيم جنين (2002)، عندها توجهت ليند للبرلمان السويدي قائلة إنه «لأمر مخزٍ وغير أخلاقي، وجريمة واضحة المعالم ضد اتفاقية جنيف، إن العنف الزائد ضد المدنيين والإعدامات الميدانية غير القانونية تجعل الفلسطينيين أكثر ثورية ضد سلطة الاحتلال الإسرائيلي».
تصريحات أميركا وإسرائيل زادت من تمسك السويد بموقفها

وفي نيسان من عام 2003، أي قبل اغتيالها بخمسة أشهر، دعت ليند، الاتحاد الأوروبي إلى قطع علاقاته مع إسرائيل، وطالبت الرئيس الأميركي آنذاك، جورج بوش، بممارسة الضغط على حكومة شارون للتوقف عن الجرائم الوحشية بحق الفلسطينيين التي كانت، في نظرها، تقف في وجه عملية السلام في الشرق الأوسط.
قد تكون ليند دفعت حياتها ثمناً لمواقفها الشجاعة، رغم أنها لم تدع يوماً إلى تسليح الفلسطينيين، بل كانت ترفض وتستنكر العمليات الاستشهادية، وترى في العنف المضاد والحروب خطراً على الجميع.
تحضر ليند مجدداً للواجهة مع تشابه موقف رئيس الوزراء الجديد ستيفان لوفين مع مواقف ليند الداعمة للفلسطينيين. رئيس الحزب الاجتماعي الديموقراطي، الذي انتمت إليه ليند، توجه بلهجة واضحة إلى أعضاء البرلمان الجديد بعيد افتتاحه بالقول إن «السياسة الخارجية لحكومته ستعترف بدولة فلسطين، وإن حلّ الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني لا يمكن إلا بحلّ الدولتين ومفاوضات وفق القانون الدولي». تصريحه ذاك شغل الجميع، فسارعت واشنطن إلى تحذير المملكة السويدية مما سمّته «الاعتراف السابق لأوانه»، مشيرةً إلى أن خطوة كهذه يجب أن تأتي عبر حل تفاوضي، واعتراف متبادل بين الفلسطينيين والإسرائيليين. إسرائيل ذهبت إلى أبعد من ذلك، واستدعت سفير السويد لديها احتجاجاً على إعلان استوكهولم، وقال وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان إن «لوفين لم يمعن النظر في الأمور».
تصريحات أميركا وإسرائيل زادت من تمسك السويد بموقفها، فشددت وزيرة الخارجية السويدية الجديدة، مارغوت والستروم، على أن «ليست أميركا من تملي علينا قراراتنا!»، معتبرةً في تصريح لصحيفة «أفتونبلاديت» المحلية أن ردود فعل أميركا وإسرائيل «متوقعة». وأضافت والستروم: «سنكمل مفاوضتنا ومباحثاتنا مع الولايات المتحدة لنشرح لهم وجهة نظرنا حول القضية وحول أهمية خطواتنا. وذلك سيساعد على جعل الوضع الراهن أقل انحيازاً لأحد الطرفين» قاصدة إسرائيل بذلك، وموضحة أن بلادها تسعى لإيجاد حل يقضي بالسلام والعيش المشترك لكلا طرفي الصراع، وأن الاعتراف بالدولتين أمر واجب.
يذكر أن بعض البلدان الأوروبية، بما فيها سلوفاكيا والمجر وبولندا اعترفت بالدولة الفلسطينية، وكان ذلك قبل انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي. ولهذا ستكون السويد الدولة الأولى في الاتحاد الأوروبي التي ستعترف بفلسطين. وتعتقد والستروم أن خطوة بلادها ستلهم المزيد من دول الاتحاد الأوروبي إلى مناقشة جديدة حول هذه القضية قائلة: «لدينا مؤشرات على أن هناك مثل هذه الحركات والمبادرات».
ومع انشغال العالم العربي والاسلامي في الحروب الداخلية، قد يخيل إلى البعض أن قرار مملكة السويد ليس إلا وليد اللحظة، وأنه أمر عابر، ولكن الدولة الاسكندنافية المعروفة بمواقفها المناصرة لقضايا الشعوب وحقوق الانسان، كانت وما زالت دائماً في مقدمة الدول الممولة لوكالة «غوث» ووكالة تشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا». وتشهد قرارات برلمانها جهود عدد كبير من دبلوماسييها وسياسيها في مناصرة حقوق الفلسطينيين، ففي عام 2012 صوت البرلمان السويدي لترقية وفد السلطة الفلسطينية في استوكهولم لوضع سفارة.
قبل أكثر من عشرة أعوام ثارت وزارة الخارجية السويدية على الظلم، فاغتيلت ليند، اليوم تثور مملكة السويد مجدداً. فهل ستواجه بحملات قمع وتسكيت جديدة، أم أن حزب الاجتماعيين الديموقراطيين مستبسل وماضٍ في مسيرته لا محال؟ أسئلة ستجيب عنها الأربع سنوات القادمة من عهد لوفين وحكومته.