«المصالح الاستراتيجية في بحر قزوين وآسيا الوسطى». تتكرّر هذه العبارة أو ما يُشبهها من تصنيف في التحليلات حول وضعية البلدان الآسيوية المعنية وحول خط المواجهة الشرقي على المستوى الطاقوي مع الغرب. البلدان الأساسيان المعنيان هما روسيا وإيران، وذلك رغم أن ثلاثة بلدان أخرى تتمتع بسواحل على هذه المياه: كازاخستان، آذربيجان وتركمانستان. العلّة في ذلك هي أنه حتى اليوم ليس هناك من إطار قانوني وتقني لإدارة المصالح في تلك المنطقة سوى التفاهمات المبهمة التي يأكلها الغبار بين موسكو وطهران.
تقنياً، تُعدّ منطقة بحر قزوين من الأغنى في العالم لناحية الموارد النفطية. تُقدّر وكالة معلومات الطاقة الأميركية أنها تحوي 48 مليار برميل من النفط الخام و242 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي (وللمقارنة فإن العالم بأجمعه يستهلك 85 مليون برميل نفط يومياً، و120 تريليون قدم مكعبة من الغاز).
أضف إلى ذلك تقديرات لوكالة المسح الجيولوجي الأميركي تضع الثروات غير المكتشفة بعد في الحوض عند أكثر من 20 مليار برميل من النفط و243 تريليون قدم مكعبة من الغاز.
في المحصلة يُمكن في هذه اللحظة الحديث عن 70 مليار برميل نفط بالحدّ الأدنى؛ إنّه الغنى بعينه. غنًى لا يستغلّ العالم منه حالياً سوى ما يؤمن 3.5% من حاجته.
اليوم تنطلق في روسيا محادثات بين زعماء البلدان الخمسة المعنيّة، لمحاولة التوصل إلى آليات لإدارة تلك الموارد، وذلك بعد ثلاث جولات فاشلة؛ الأولى في عشق آباد عام 2002، الثانية استضافتها طهران عام 2007، والأخيرة كانت في باكو قبل أربع سنوات.
ربما من الأفضل أن تنام روسيا وإيران وباقي البلدان الساحلية على ثروتها البحرية المشتركة. ربما من الأفضل أن تستمرّ الخلافات حول كيفية تقسيم الموارد الغنية في الحوض الذي يجمعها. التحليل وراء هذه الفكرة هو أن الموارد النفطية ناضبة والتأخير في استغلالها ـ طبعاً ليس إلى الأبد ـ يعني أنها ستكسب قيمة أكبر.
وربما تكون الحجة المقابلة أقوى: يجب استغلال الموارد بأسرع وقت للتعجيل في عملية التنمية أو مواجهة المشاريع التي تهدف إلى تحطيم تلك التنمية (كما تُصنف العقوبات الغربية).
في كلتا الحالتين، المشكلة هي أن قرناً كاملاً مضى على الاتفاقات الروسية ـ الإيرانية الأولى (التي عُززت بتوقيع تفاهمات في أربعينيات القرن الماضي) حول استغلال ثروات المنطقة. غير أنها وثائق تبقى مبهمة وتشدد على التعاون والتوزيع العادل من دون الدخول في التفاصيل.
وفي الحقيقة، إذا أراد البلدان تعزيز وضعيتهما الدولية، لا يُمكن التأخير ولو حتى لعقد!
أكثر من أي وقت مضى تظهر اليوم حاجة البلدين إلى تعزيز العلاقات، لأنه أكثر من أي وقت مضى تظهر سطوة الاقتصاد الأميركي على العولمة. فعلياً، وبعيداً عن أفكار المواجهة والمناهضة، تتمتع الولايات المتحدة بناتج إجمالي يفوق 17 تريليون دولار، أي أكبر من اقتصادات الصين، روسيا، ألمانيا وإيران مجتمعة. هذا المعطى التفاضلي ـ معطوفاً على عدد سكان يجعل حصة الفرد من الناتج 55 ألف دولار وعلى سيطرة نقدية عبر الدولار وتكنولوجية عبر الشركات الكبرى ـ يؤمّن للولايات المتحدة تقدماً قائماً ومحفوظاً.
لا يُمكن بسهولة الالتفاف على تلك السيطرة الأميركية كما يتم الالتفاف على بعض العقوبات الاقتصادية والمالية الموضعية. بحسب وزير الاقتصاد الروسي ألكسي كودرين، فإن البلاد قد تشهد انكماشاً بنسبة تراوح بين 3% و4% خلال عامين في حال اشتدت العقوبات الغربية المفروضة عليه. ولكن في ظل خطوط المواجهة التي ترتسم، يُمثّل النفط سلاحاً من الطراز الاول. والنفط الموجود في بحر قزوين قيمته 6،5 تريليونات دولار. إذا تمت قسمته بالتساوي على البلدان الخمسة، فإن حصة روسيا وإيران تكون 2،6 تريليون دولار.
إمكانات التعاون بين البلدين كبيرة من دون شك. خلال العقد الماضي ظهرت صلابة التحالف الروسي الإيراني عند أكثر من جبهة، تحديداً على صعيد البرنامج النووي في الجمهورية الإسلامية؛ المراوغة الروسية على الساحة الدولية في ما خص مفاعل بوشهر تُعدّ مثالاً واضحاً على تلك الصلابة في حفظ المصالح.
يُعزز البلدان موقفهما الدولي عبر الاتفاقات الثنائية والتفاهمات التي تضمن هامشاً من الصمود أمام العقوبات والمعارك التي تُفتح مع الغرب، أكان في الميدان العسكري أم الأمني أم الاقتصادي.التعاون هنا هو من عيار اتفاق بقيمة 5 مليارات دولار يُدرس حالياً لبناء معامل طاقة حرارية في إيران، وبمستوى التفاهم حالياً حول برنامج خاص تحت عنوان «النفط مقابل السلع»، وربما حول تنظيم إنتاج طائرات من نوع توبوليف (TU-204 SM) في إيران.
حصة إيران وروسيا من نفط «قزوين» 2،6 تريليون دولار إذا تمت قسمته بالتساوي

ولكن حتى اليوم، ورغم حجم المواجهة التي يخوضها البلدان، يبقى تعاونهما ضعيفاً نسبياً. مثلاًً لا يفوق حجم التبادل التجاري بينهما خمسة مليارات دولار. صحيح أن الخبراء يؤكّدون أن من الممكن مضاعفة هذا الرقم عبر اتفاقات التعاون في شتى القطاعات، غير أنّ الكلام أسهل من الفعل.
أخيراً، وعلى هامش قمّة منظمة شانغهاي للتعاون التي عُقدت في طاجكستان، أكد الرئيس الإيراني حسن روحاني، بعد لقائه نظيره الروسي فلاديمير بوتين، أن طهران مصمّمة على تعزيز علاقاتها مع البلدان المجاورة، وأن وتيرة تنمية الروابط الاقتصادية الروسية الإيرانية شهدت تصاعداً خلال فترة العام الماضي. بالفعل، يُظهر الحراك في إطار هذه المنظمة أن العالم يشهد تغيرات سريعة من المنظور التاريخي وليس من منظور الأخبار اليومية في الصحف ونشرات الأخبار. الصين التي تُعزز وجودها الإقليمي في آسيا عبر المنظمة ـ لضمان التفوق على «قوى الشر الثلاث: الإرهاب والنزعات الانفصالية والتطرف» ـ تُعدّ اللاعب الأبرز في المواجهة، وإن كانت حربها مع الغرب ناعمة إلى أقصى الحدود.
المشكلة هي أن تحول إيران إلى عضو كامل في تلك المنظمة مشروط بتوقف العقوبات المفروضة عليها من الأمم المتحدة. والرافعة الإقليمية، أكانت اقتصادية أم سياسية، التي يُمكن التعويل عليها حالياً هي مياه بحر قزوين. الاتفاق حول هذه المنطقة الغنية لن يكون فقط مفتاحاً لتحقيق المكاسب الاقتصادية، بل أيضاً فاتحة ربما لتعزيز الموقف التفاوضي الدولي باتجاه تعميق أي تحالف إقليمي تشهده آسيا الوسطى.



الاتفاق النهائي لا يزال بعيداً

على مسافة شهرين من المهلة النهائية للتوصل إلى اتفاق شامل بين إيران والدول الست حول البرنامج النووي الإيراني، أخفقت الجولة السابعة من المفاوضات في إحراز تقدم في هذا الصدد، أو تجاوز الأمور الإشكالية العالقة بين الطرفين. وعلى الرغم من حديث بعض المسؤولين المعنيين بالمفاوضات من الجانبين، عن أن الأمل في التوصل الى الاتفاق التاريخي ليس مفقوداً، يبقى التعثر سيّد الموقف في الجلسات التي باتت شبه «روتينية»، وخصوصاً في ظلّ المتغيرات السياسية التي هيمنت على المشهد الدولي في الآونة الأخيرة.
ومن دون تحديد موعد للجولة المقبلة، انتهت أعمال الجولة السابعة التي جرت في نيويورك على هامش انعقاد الدورة التاسعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة. وبعد ثمانية أيام من المفاوضات المكثفة، ومن المشاورات الثنائية، ولا سيما بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف، أقرت إيران بأن إبرام اتفاق نهائي «لا يزال بعيداً». وقال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية في هذا المجال إن «الفجوات ما زالت كبيرة». (الأناضول، فارس، إرنا)