إسطنبول | في ظلّ الحروب التي تشهدها المنطقة، والتهديدات الأمنية التي تتعرض لها الحدود التركية الجنوبية مع كل من سوريا والعراق، عقد المجلس العسكري الأعلى قبل ظهر أمس اجتماعه الاعتيادي الأول لهذا العام، برئاسة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان.اختار أردوغان عقد هذا الاجتماع قبل أيامٍ قليلة من الانتخابات الرئاسية، وعقب حملة الاعتقالات الواسعة التي شنتها الحكومة على كبار المسؤولين في البلاد، من بينهم ضباط، لاتهامهم بالانتماء إلى جماعة فتح الله غولن.

ومن المتوقع أن يرفع المجلس الذي يواصل أعماله لثلاثة أيام جملة توصيات غير ملزمة للحكومة، تدخل حيّز التنفيذ بعد مصادقة رئيس الجمهورية عليها ونشرها في الجريدة الرسمية في السادس من آب الجاري. ويبحث الاجتماع ترقيات 192 ضابطاً من كبار ضباط القوات المسلحة. وسيتضمن لأول مرة بحث ترقيات الضباط قبل عام من اكتمال فترة استحقاقهم. ومن المرجح أن يمدد المجلس لقائد الشرطة العسكرية الجنرال ثروت يوروك لعام آخر، ما يمثل فرصة حقيقية له للتنافس مع قائد القوات البرية خلوصي أكار على منصب رئيس هيئة الأركان.
ويرى المحلل السياسي عباس أصلان أنه على الرغم من نفي رئاسة أركان الجيش صحة الأخبار المتعلقة بطرد أنصار الداعية فتح الله غولن من صفوف الجيش، تشير التطورات الأخيرة التي شهدتها تركيا، باعتقال رجال الأمن الموالين لغولن والمتورطين في عملية التنصت على مكالمات كبار المسؤولين وفي مقدمتهم أردوغان، إلى أن المجلس سيسارع في اجتماعه إلى إبعاد المقربين من غولن عن صفوف القوات المسلحة.
كذلك أضاف أصلان أن من المؤكد صدور قرارات معينة لن يعلن عنها في البيان الختامي، أبرزها فرض حصانة قضائية للضباط الأمراء، أي الجنرالات من رتبة عميد وما فوق، وعددهم 343 ضابطاً في الجيش التركي حالياً، وذلك على غرار الحصانة التي تمتع بها رئيس جهاز المخابرات هاكان فيدان بتعليمات من رئيس الوزراء.
مهما حاول أردوغان تصفية معارضيه يبقى الجيش هو وريث أتاتورك

ويرى أصلان أن «السحر انقلب على الساحر» في ما يتعلق باعتقال كبار الضباط بتهم مختلقة من قبل جماعة غولن التي كانت «أختاً غير شقيقة» لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم بإشراف أردوغان، مضيفاً أنه مهما حاول أردوغان تصفية المعارضين له من جماعة غولن أو من العلمانيين وغيرهم، فإن الجيش التركي يبقى «الوريث الشرعي لأتاتورك الذي أسّس الجمهورية مع رفاقه في السلاح من دون وجود أي مدني بينهم».
وحضر الاجتماع الأعضاء الأساسيون للمجلس، وهم وزير الدفاع عصمت يلماز، والضباط الأمراء برتبة فريق أول الذين ينحصر عددهم في الجيش التركي باثني عشر، بمن فيهم رئيس هيئة الأركان العامة نجدت أوزل، وقائد القوات البرية الفريق أول خلوصي آكار، وقائد القوات البحرية الأدميرال بولند بستان أوغلو، وقائد القوات الجوية الفريق أول «آكن أوزتورك»، والقائد العام لقوات سلاح الدرك، وقادة الجيوش الأربعة.
يذكر أن المجلس العسكري الأعلى التابع لرئاسة أركان الجيش التركي يُعقد دورياً في شهر آب وفي كانون الأول من كل عام، برئاسة رئيس الوزراء، ويبحث قضايا مهمة على مستوى الجيش، وتصدر عنه جملة توصيات للحكومة تهدف إلى تحسين أداء القوات المسلحة وجاهزيتها، وتعتبر قراراته خارج حيّز المساءلة القضائية، ولا تعتبر نافذة إلا بعد المصادقة عليها من قبل رئيس الجمهورية.
اجتماع المجلس العسكري الدوري قد لا يحمل في قراراته المنتظرة أي مفاجأة، إلا أنه يعقد في فترة تشهد جدلاً واسعاً حول مفاتيح الحكم في تركيا التي بقيت بأيدي القوات المسلحة منذ تأسيس الجمهورية، وهو الواقع الذي عمل حزب «العدالة والتنمية» على تغييره منذ وصوله إلى السلطة عام 2002. إلا أن القضية الأكثر إلحاحاً بالنسبة إلى الشارع التركي هي قدرة المجلس العسكري الأعلى ومن خلفه القوات المسلحة على القيام بمسؤولياته في الحفاظ على الأمن القومي التركي أثناء انشغاله في الحرب على يسميه «الكيان الموازي»، بالتزامن مع تطورات سياسية وعسكرية وتهديدات إقليمية جدّية.