إسطنبول | كأن «عدم الاتزان» بات ينسحب على خطابات أفراد الحزب الحاكم في تركيا كافة. بعدما اتسم خطاب رئيس الوزراء التركي ورئيس حزب «العدالة والتنمية» بثقةٍ مفرطة، وصلت أحياناً إلى حدّ جنون العظمة، انتقلت «العدوى» إلى زملائه ونوّابه حيث باتوا بدروهم يتفوهون بتصريحاتٍ «صادمة». آخر «صيحات» إدارة أردوغان كانت تصريح لنائب رئيس الوزراء بولنت أرينتش الذي أثار ضجة واسعة في الأيام الماضية.

في الثامن والعشرين من تموز الماضي، لم يتطرق أرينتش في احتفال بعيد الفطر في منطقة بورصة إلى الانتخابات الرئاسية التركية بعد أيامٍ قليلة، ولا إلى حملة الاعتقالات الواسعة التي شنتها الأجهزة الأمنية في الآونة الأخيرة، بل اختار أرينتش أن يتمحور خطابه، في منطقة بورصة، حول... الأخلاق الحميدة والعفة عند النساء!
انتقد نائب أردوغان في خطابه «الاجتماعي» المرأة حين تضحك بصوتٍ عالٍ في الأماكن العامة، ودعاها إلى التوقف عن الحديث عن «أشياء لا قيمة لها على الهاتف». كذلك، تذمّر أرينتش من «الفساد الأخلاقي الكبير» الذي يبثّه التلفزيون التركي في نفوس الشباب، إذ «يعمل على تحويلهم من مثال للعفة إلى نماذج من مدمني الجنس».
ودعا، لمناسبة العيد، الشباب إلى ضرورة العودة إلى أخلاق القرآن، بعدما تخلوا بصورةٍ كبيرة عن قيمهم الأساسية، لافتاً في المقابل إلى ضرورة التحلي بالعفة من أجل الالتزام بالتعاليم الدينية. ويبدو أن موضوع ضحك النساء بصوتٍ مرتفع يسبب للمسؤول التركي إزعاجاً جمّاً، حتى ركّز على ضرورة كتمه في الأماكن العامة، لأن صوته «يثير غرائز الشباب».
اختار أرينتش المناسبة الدينية ليؤدي دور «المطاوع» على الأتراك. كأنه خلع بزته السياسية ولبس ثوب رجل الدين، ليلقّن مواطنيه أمثولات في الأخلاق الحميدة، أو كأنه استلهم كلامه من ممارسات المجموعات المتطرفة في محيط تركيا، التي تملي على السوريين والعراقيين نمط حياةٍ يتوافق مع عقائدها المتطرفة.
لم يكتفِ أرينتش بهذا القدر من الإرشادات، إذ عبّر أيضاً عن استيائه من المبالغة في استخدام الهواتف النقالة والابتعاد عن الحديث وجهاً لوجه. كذلك طالب بضرورة ترشيد استهلاك السيارات، لأن «نهر النيل لو كان ممتلئاً بالبترول لن يكفي لتوفير الوقود لتلك السيارات»! وهاجم نائب رئيس الوزراء المسلسلات التلفزيونية، قائلاً إنها «تشجع على الانحطاط».
هذه التصريحات ولّدت ردود فعل واسعة مستنكرة عبر وسائل الإعلام المرئي والمسموع ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث احتجّت مئات من التركيات على تصريحات أرينتش. وانتشرت على هذه المواقع حملة تفاعلية، تناقلت عبرها التركيات صورهن وهنّ يضحكن. على سبيل المثال، كتبت النائبة التركية عن حزب «الشعب الجمهوري» المعارض، ميلدا أونور، على موقع «تويتر»: «إن تصريحات أرينتش تصور الضحك على أنه فعل شائن، وهو ما يعرض النساء للعنف». ولم تقتصر ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي، بل تعدته إلى عالم السياسة، حيث سارع مرشح المعارضة إلى الانتخابات الرئاسية أكمل الدين إحسان أوغلو إلى تلقف تصريحات أرينتش وانتقادها. وقال إحسان أغلو عبر «تويتر» : «بلادنا تحتاج إلى ضحكات النساء وإلى سماع ضحكات الكل أكثر من أي وقت مضى». كذلك أعلنت إحدى المنظمات النسوية نيتها رفع دعوى جنائية ضد أرينتش.
أرينتش عاد وانتقد وسائل الإعلام، معتبراً أنها حرّفت كلامه، وقال في حديث إلى صحيفة «حرييت» التركية إن وسائل الإعلام «أخرجت تعليقاتي من سياقها وركزت على مقطع صغير فقط من الكلمة التي نصحت فيها الرجال والنساء بالتحلي بالسلوك الأخلاقي»، مضيفاً «كلمتي كانت عن الأدب والقواعد الأخلاقية، ومزاعم وسائل الإعلام تثير الاشمئزاز»!
تصريحات أرينتش ليست الأولى من نوعها، إذ يحفل أرشيف «العدالة والتنمية» بحوادث كثيرة مثيرة للجدل حول العفة والحشمة. ففي أيار 2013، جرى تحذير شاب وفتاة يمسك أحدهما بيد الآخر في محطة المترو في أنقرة عن طريق مكبرات الصوت، ودعوتهما إلى التصرف ضمن «المعايير الأخلاقية العامة». هذا الحادث أدى الى «احتجاجات التقبيل في الأماكن العامة»، والتي هاجمها عدد قليل من المحافظين من مناصري الحزب الذين كانوا يلوّحون بالسكاكين وهم يهتفون «الله أكبر». إلى ذلك، اشتهر محافظ أنقرة ميليه كوكجيك بموقفه ضد قانون الإجهاض، حتى وإن كان في حالات الاغتصاب.