إسطنبول | لم يعلن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ترشحه رسمياً لسدة الرئاسة، لكن المؤشرات كلها تدل على استعداداته لخوض معركة الرئاسة في 10 آب المقبل. وعلى الرغم من الفوز الكاسح الذي حققه في الانتخابات البلدية الأخيرة حين حصد حزب «العدالة والتنمية» 45% من أصوات الناخبين، بات من المعروف أن أردوغان لم يعد في وضعه السابق داخلياً، إقليمياً ودولياً.
الاستحقاق المقبل سيجري عبر الاقتراع المباشر من الشعب للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية. وقد سعى أردوغان إلى تعديل الدستور لتحويل النظام إلى رئاسي، حيث يأتمر رئيس الوزراء بأوامر الرئيس، غير أن هذه المساعي باءت في الفشل، فيما تسعى أحزاب المعارضة للاتفاق على مرشح مشترك ينافس أردوغان على كرسي الجمهورية. وأفادت مصادر أن «صفقة» بين رئيس الوزراء والأكراد قد أبرمت لضمان أصواتهم في الانتخابات الرئاسية، مقابل إطلاق مؤسس حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان إضافةً إلى الاعتراف للأكراد بالحكم الذاتي في المناطق الحدودية مع سوريا والعراق وإيران.
إلى ذلك، شهدت الآونة الأخيرة تغيرات لافتة في سياسة أردوغان في قضايا القوميات. فعقب ترخيص أول حزب كردي، أتت تصريحات أردوغان التي تضمّنت اعتذاراً غير مباشر من الأرمن عن المجازر العثمانية لتشكل مفاجأة للأرمن وللعالم. هذه المواقف أغضبت القوميين الأتراك التقليديين الذين اتهموا أردوغان بكونه «أداة بيد القوى الإمبريالية والاستعمارية» على خلفية تقديمه «تنازلات خطيرة».
أنباء عن صفقة
بين أردوغان والأكراد لضمان أصواتهم في الانتخابات الرئاسية

وجاءت المساعي الأخيرة لحل المشكلة القبرصية بموافقة حكومة أنقرة، لتزيد من غضب القوى التقليدية التي ترى أن الحكومة رضخت لمشيئة الغرب في هذه القضية، إضافةً إلى اتهام رئيس الوزراء بالتنازل عن قيم الجمهورية التركية في ما يتعلق بقضاياها القومية. وتتهم هذه القوى حزب «العدالة والتنمية» ومناصريه بـ«التنكر لقيمهم الدينية ولتقاليدهم» حين تجاهلوا فضائح الفساد التي طالت أردوغان وعائلته وحكومته في الآونة الأخيرة، كما تتهم هذه القوى المناصرين بقبول كل ما يقدم عليه زعيمهم، حتى انفتاحه القريب على إسرائيل، حيث أسرّت مصادر بتبادل للسفراء قريباً بين تركيا وإسرائيل. نقمة معارضي أردوغان لا تقف عند هذا الحد. هم يرون أيضاً أن رئيس الحكومة يتجاوب مع الضغوط الأميركية داخلياً مقابل دعم الأميركيين لبقائه في السلطة، إذ يبدو أن الولايات المتحدة لم تتخلَّ عن تركيا الإسلامية بعد، على الرغم من سقوط مشروع الإسلام السياسي في المنطقة. هذا الأمر ظهر جلياً حين فتحت الحكومة حدود تركيا على مصراعيها لدخول آلاف المقاتلين التكفيريين الأجانب إلى سوريا والعراق بدعم إقليمي ودولي وإن كان غير علني.
وفي هذا الإطار، يتحدث الإعلام التركي اليوم عن صفقات بين أردوغان والرئيس الأميركي باراك أوباما، خصوصاً بعد فشل الزعيم التركي في مصر وسوريا، وبعد تخلي الدول العربية عن دعمه، حيث لم يبق له في المنطقة سوى قطر التي تربطه بأميرها علاقات ومصالح مادية ضخمة.
وفي ظل التحولات التي قد تشهدها المنطقة مع اقتراب الاتفاق المحتمل بين طهران وواشنطن، قد تعيد الأخيرة النظر في سياستها في الشرق الأوسط عبر الدعم المطلق أو التخلي المطلق عن حلفائها في المنطقة. ومن يدري، قد يعيد التاريخ نفسه ليلاقي البعض مصير رئيس الوزراء التركي السابق عدنان مندريس أو مصير شاه إيران!