إسطنبول | دنت ساعة الفصل في معركة الانتخابات البلدية التركية. المعركة التي تختلف ظروفها هذا العام عن السنوات الماضية والتي تجري على وقع فضائح الفساد التي طاولت الحكومة ورئيسها رجب طيب أردوغان، وتسريب التسجيلات الصوتية التي كان آخر فصولها تسريب مكالمة لأربعة من المسؤولين الأتراك يتناقشون في إمكانية شن عمل عسكري على سوريا، ستنتهي غداً مع توجه الناخبين الأتراك إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في عملية اقتراع ستكون ممهدة للانتخابات الرئاسية التي ستجري في 10 آب المقبل والانتخابات البرلمانية في 14 حزيران 2015.
طرفا النزاع الرئيسيان، حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الشعب الجمهوري المعارض، حشدا أنصارهما طوال المدة الماضية، مستعملين كل أنواع الخطاب التحفيزي. أردوغان ركز على شعارات مثل «الناخبون سيختارون بين تركيا الجديدة والقديمة» و«في سبيل تركيا لا يهمنا إلا الله وشعبنا»، محاولاً استمالة الشباب للتصويت لحزبه عبر مغازلتهم بأنهم ركيزة البلاد الأساسية. أما زعيم الحزب الجمهوري كمال قليتشدار أوغلو، فشدد على أنه «يجب أن تتخلص البلاد من السياسة القذرة»، وتعهد تشكيل حكومة نزيهة «بعد إسقاط الفاسدين عبر صناديق الاقتراع»، واعداً الأتراك بحياة رفاهية عندما يكون حزبه في السلطة.
المعركة الأهم بالنسبة إلى الحزبين تتركز في مدينة إسطنبول، لما لها من ثقل في تحديد هوية الفائز في الانتخابات البرلمانية المقبلة.

احتمال فوز مرشح المعارضة تقارب نسبة مرشح أردوغان

حزب العدالة والتنمية رشّح رئيس البلدية المنتهية ولايته قادر توباش لولاية ثالثة، فيما رشح حزب الشعب الجمهوري مصطفى ساري غول لرئاسة البلدية. هذا في الشكل، أما في الجوهر، فإن المعركة هي بين أردوغان الذي يعتبر «الحاكم الفعلي» للمدينة وبين مصطفى ساري غول. وإدراكاً منه لهذه التحديات، كثف أردوغان الزيارات لـ«مدينته» التي أطلق منها مسيرته السياسية حين انتخب فيها رئيساً للبلدية في عام 1994. وفي كل مناسبة، كرر مهاجمة «الخونة» الذين يريدون إسقاطه. مصطفى ساري غول (58 عاماً) الذي يحظى بشعبية كبيرة وسط أبناء مدينة إسطنبول، قال إن «كل الناس يعرفون هذا الأمر: أن رئيس بلدية إسطنبول الفعلي هو أردوغان». وعلى عكس توباش، الذي لا يظهر كثيراً في شوارع المدينة ولا في وسائل الإعلام، جاب ساري غول المدينة طوال الحملة الانتخابية على متن حافلة حمراء وشعاره «التغيير، الآن»، وتصدر اسمه الصحف والأخبار التركية.
حظوظ ساري غول في الوصول إلى رئاسة بلدية إسطنبول تزداد باطراد، وهو ما بينته استطلاعات رأي خلصت إلى أنّ نسبة المؤيدين له تقارب نسبة مؤيدي خصمه قادر توباش.
التقدم الملحوظ الذي حظي به ساري غول يعود إلى الدعم الذي يتلقاه من قبل جماعة فتح الله غولن، في ظل التصادم والخلافات الكبيرة بين الجماعة وحزب العدالة والتنمية وتبادل الاتهامات التي أدت إلى خوضهما الانتخابات كخصمين لأول مرة منذ عام ٢٠٠٢، وهو ما يراه المراقبون سبباً رئيسياً لفوز حزب الشعب الجمهوري بعدد كبير من البلديات، وهو ما يذكّر بالفوز الذي حققه حزب العدالة والتنمية، مدعوماً من جماعة غولن في الانتخابات الماضية في 2009.
حزب الشعب الجمهوري المعارض يرى أن فوز ساري غول في متناول اليد، وخاصة أن هذه الانتخابات تأتي في وقت يشهد سلسلة من المشكلات وفضائح الفساد المالي لعدد من رموز حزب العدالة والتنمية الحاكم. وهو ما عبر عنه ساري غول نفسه بقوله: «أمامنا فرصة تاريخية، هذه الفرصة ليست لتمييز الأحزاب السياسية، لنجتمع كلنا مع بعض لنقدّر قيمتها، أرجو منكم أن توحدوا إيمانكم، شجاعتكم، وطاقاتكم؛ لأنني أرى ضوءاً في نهاية النفق. هذا النضال من أجل إسطنبول أجمل».
وضمن سعيه إلى الفوز بمعركة إسطنبول، أعلن ساري غول في مؤتمر صحافي خطة عمل تضمنت وعوداً بحماية القيم البيئية، تشمل بناء اثنين من أكبر المتنزّهات في إسطنبول، وبناء سدين جديدين، والبدء بدراسات تقنية لتحويل مياه البحر إلى مياه صالحة للشرب. وتضمنت الخطة وعوداً بتحديث خطوط المواصلات الرئيسية وزيادة حصة النقل بالسكك الحديدية 50 بالمئة ومواصلات مجانية للمعلمين.
الشارع التركي يقف اليوم على مفترق طرق، لذلك يرى الصحفي أونور ايريم في حديث لـ«الأخبار»، أن «الانتخابات المحلية تحتل أهمية كبرى في تركيا؛ لأنها بالنسبة إلى حزب الحرية والعدالة مؤشر على نسبة تأييد الشارع التركي له»، موضحاً أن «قادة الحزب يعلمون جيداً أن خسارة الحزب في أنقرة وإسطنبول ستطلق حديثاً بين الناس عن انتخابات برلمانية مبكرة».