إسطنبول | انتخابات حاسمة تشهدها تركيا يوم غد تحدد مصير رجب طيب أردوغان، وتكتسي أهمية استثنائية لأنها تأتي في أجواء مشحونة بالتوتر السياسي والشعبي والإعلامي بسبب فضائح الفساد التي طاولت رئيس الوزراء وابنه بلال وعدداً من الوزراء وأولادهم. فساد يُقدر حجمه بنحو 200 مليار دولار يضاف إلى تهم التآمر على سوريا التي أثبتتها التسجيلات التي سُربت أخيراً.
٥٢,٧ مليون ناخب تركي يفترض أن يتوجهوا إلى صناديق الاقتراع، وعددها نحو ١٧٠ ألفاً في ٨١ ولاية تركية، لانتخاب رؤساء البلديات وأعضاء المجالس المحلية ومختاري الأحياء يوم غد الأحد. استحقاق يشارك فيه ٢٢ حزباً سياسياً، أهمها العدالة والتنمية الحاكم والشعب الجمهوري، وهو أكبر أحزاب المعارضة، ومعه حزب الحركة القومية والسلم والديموقراطية الكردي.
كل استطلاعات الرأي تناقضت بشأن النتائج المحتملة للانتخابات التي ستحدد في الوقت نفسه ماهية ردود فعل المواطن التركي على كل ما سمعه عن أردوغان وحزبه وحكومته على صعيد السياسة الداخلية والخارجية. وتوقع البعض من مراكز الأبحاث أن الناخب التركي سيستمر في دعمه لحزب العدالة والتنمية، بعد أن أقنعهم أردوغان بأن كل التسريبات الصوتية كاذبة ومفبركة ومن تخطيط الداعية الإسلامي فتح الله غولن وتنفيذه.
الأزمة بين أردوغان وغولن جاءت لمصلحة حزب الشعب الجمهوري الذي استفاد من استنفار أتباع الداعية الإسلامي وأنصاره كل إمكاناتهم لضمان المزيد من التأييد والدعم له. في المقابل، بعث حزب الشعب بإشارات إيجابية لهم ولكل التيارات القومية والليبرالية، وجرى ترشيح العديد من كوادرها في الانتخابات. الأوساط اليسارية التقليدية اتهمت زعيم الحزب كمال قيلشدار أوغلو بالعمل على التخلص من الهوية الأتاتوركية التقليدية وتحويل حزب الشعب الجمهوري إلى حزب يساري وسط بملامح ليبرالية مطعمة قومياً، بل وحتى دينياً أيضاً. ويراهن الكثيرون هنا على نتائج هذا الانفتاح على اليمين بعدما فشل حزب الشعب الجمهوري طوال السنوات الماضية في الوصول إلى السلطة التي كانت دائماً حكراً على اليمين، ويمثله الآن حزب العدالة والتنمية مع منافسة قد تكون قومية هذه المرة عبر الحركة القومية وحزب السعادة الإسلامي الموالي للزعيم الراحل نجم الدين أربكان. ويشير المراقبون إلى أهمية الانتخابات في إسطنبول وأنقرة التي يحكمها أتباع أردوغان منذ عشرين عاماً. سيطرة قد تنتهي في انتخابات الغد التي إن خلصت إلى فوز مرشحي حزب الشعب الجمهوري في هاتين المدينتين، فإن نهاية أردوغان ستكون سريعة جداً.

75% من الأتراك مقتنعون بالتهم الموجهة إلى الحكومة ورئيسها


استطلاعات الرأي لحزب العدالة والتنمية توقعت أن يحصل الحزب على نحو ٣٥٪ من مجموع أصوات الناخبين، وهي نسبة أقل من الأصوات التي حصل عليها في انتخابات البرلمان عام ٢٠١١، وكانت ٥٠٪. في المقابل، استبعدت مراكز الدراسات أن يتأثر المواطن التركي بالحملة التي استهدفت أردوغان، مرجحةً أن يحتفظ حزب العدالة والتنمية بشعبيته بالحصول على ما لا يقل عن ٤٦٪ من أصوات الناخبين.
في المقابل، يراهن آخرون على معنويات المواطنين يوم الانتخابات التي إن سجلت نسبة عالية المشاركة تتجاوز ٨٥٪، فحينها سيكون الرابح من دون شك هو كمال قليشدار أوغلو الذي يقول البعض إنه استطاع أن يقنع المواطن التركي بجديته ونزاهته وصدقيته، خلافاً لعشرات التساؤلات عن شخصية أردوغان.
هذا من حيث حسابات الربح والخسارة على مستوى تعداد مقاعد البلدية التي سيحصل عليها كل طرف. كل التعمق في ما جرى خلال الأسابيع الماضية يؤكد أن أردوغان، وإن فاز حزبه بالاقتراع، يبقى الخاسر الأكبر في المعركة الانتخابية، بعدما أظهرت استطلاعات الرأي أن ٧٥٪ من الأتراك مقتنعون بصحة التهم الموجهة إليه في ما يتعلق بقضايا الفساد، وذلك حتى لو صوت البعض منهم للعدالة والتنمية لارتباطاتهم المصلحية الخاصة.
ويدرك الجميع أن نتائج انتخابات الغد ستحدد مصير ومستقبل أردوغان الذي إن خسر الانتخابات، فسوف يخسر كل شيء، وأهمه حلمه بدخول قصر شنقايا الرئاسي. أما إذا صمد، فلن يكون من السهل عليه الاستمرار؛ لأن الشعب التركي، على ما أظهرت تظاهرات غيزي، لن يلتزم الصمت حيال حكومته التي يتوقع أن تعمد، اعتباراً من الاثنين المقبل، للسير قدماً على طريق إحكام السيطرة التامة على جميع مؤسسات الدولة التركية ومرافقها، وهو ما سيتطلب التخلص المطلق من جميع أشكال المعارضة وأنواعها، التي تعرف جيداً أن بقاء أردوغان في السلطة سيعني القضاء على ما يسمى الجمهورية التركية، على حد قول قليشدار أوغلو.
أما إذا نجح حزب الأخير في الانتخابات، فعندها ستكون الطريق مفتوحة أمامه للوصول إلى السلطة في أقرب فرصة، وستبدأ من الاثنين أيضاً رحلة المفاجآت على صعيد السياستين الداخلية والخارجية، التي تتطلب التخلص فوراً من أردوغان وكل نتاج سياساته الخطيرة تركياً وسورياً وإقليمياً ودولياً.