إسطنبول | تعيش تركيا هذه الأيام على وقع المعارك السياسية. ففيما تستمر المعركة الانتخابية بين حزب العدالة والتنمية الحاكم والمعارضة قبيل أسبوع من الانتخابات البلدية، تدور معركةٌ أخرى بين الداعية فتح الله غولن وأنصاره من جهة ورئيس الحكومة رجب طيب أردوغان وأنصاره من جهة أخرى، على خلفية تصريحات غولن الصحافية.
تصريحات غولن التي وجهها عبر الصحيفة المقرّبة منه «زمان» والتي تنتهي اليوم بتوجيه رسالة إلى أنصاره تحديداً، أثارت موجة من الردود والردود المضادة، التي تواصلت طيلة هذا الاسبوع. غولن ردّ أمس على منتقديه مؤكداً صحة الادعاءات حول القتال بين حزب العدالة والتنمية والجماعة التابعة له، حيث قال «إن تركيا في السنوات الأخيرة عاشت فترة فيها تضييق جدي على الحقوق الأساسية والحريات، وإن اللهجة السياسية الجارحة قسمت البلد إلى قسمين»، وهو ما ظهر جلياً عبر اعتراض غولن على استخدام مصطلح اللصوص على متظاهري «غيزي بارك».
غولن أعاد التأكيد في تصريحات أمس «أن الجماعة (التي تتبع له) ليست حزباً سياسياً ولن تصبح حزباً سياسياً». وبوضوح عبّر عن هذا الأمر بقوله «لم نكن منافسين لأي حزب سياسي، وكنا على مسافة متساوية من الجميع، رغم هذا نحن نشارك قلقنا وآمالنا على مستقبل بلدنا مع الجماهير». واعترض غولن أيضاً على اتهام جماعته بأنها منظمة بقوله «من المؤسف أن نتهم بأننا منظمة تقوم بأعمال سرية من قبل من يقومون بالالتفاف على القوانين»، ودافع بقوة عن موقف الجماعة، مؤكداً ثباتها على موقفها بقوله «نحن نقف اليوم في المكان نفسه الذي كنا نقف فيه البارحة، علينا أن ننظر إلى الذين يبتعدون».
وأعاد غولن في حديثه أمس إلى صحيفة «زمان» التطرق إلى موضوع إغلاق المدارس التابعة له، معيداً التأكيد أن هذه المدارس أنشئت لسبب واحد وهو التعليم.
غولن تحدث أيضاًَ عن المجتع التركي وعن طوائفه العديدة، ورأى أن «إثارة الخلاف بينها شيء خطير جداً كاللعب بالنار»، مؤكداً «حق الأقليات كما الأكثرية بالمشاركة في رسم مستقبل تركيا».
الداعية الإسلامي شدد على أن احتجاجات «غيزي بارك» الصيف الماضي بدأت بشكل سلمي من أجل الدفاع عن البيئة، ثم تحولت إلى مظاهرات من أجل الديموقراطية، مؤكداً أنه كان بإمكان الدولة استيعاب هذه المظاهرات بالتسامح وبالاستماع إلى مطالب المتظاهرين بدل قمعها بشدة. ورأى غولن أن لجوء «الحكومة دائماً إلى إيجاد الحلول عن طريق القوة أدى إلى تضاعف المشاكل وتحولت مسألة محلية صغيرة إلى قضية أمن دولة»، متسائلاً «هل إقامة مركز تسويق تستحق إراقة الدماء وقتل الأرواح؟». وختم غولن تصريحاته بالقول إنه «لم يرَ كذباً وافتراءً بهذا القدر من قبل»، مؤكداً أن الاتهامات التي وجهتها الحكومة هدفها الوحيد تشويه صورة الجماعة واتهامها بالوقوف خلف الأحداث الأخيرة وبالإيحاء أنها جماعة عميلة للخارج.
تصريحات غولن قابلتها الصحف الموالية للحكومة بتخصيص العديد من عناوينها للحديث عنها والهجوم عليها.
صحيفة «يني شفق» عنونت «غولن أصبح لاعباً سياسياً»، ورأت الصحيفة «أن ما تشهده الساحة التركية من توتر هو نتيجة لمحاولة الحكومة التركية التخلص من نفوذ التنظيم الموازي الذي يتبع جماعة فتح الله غولن». ونقلت «يني شفق» عن نائب رئيس حزب العدالة والتنمية محمد علي شاهين قوله «إن فتح الله غولن خرج عن كونه زعيماً لجماعة دينية وأصبح لاعباً سياسياً».
وفي الصحيفة نفسها وتحت عنوان «لا تقل تنظيم بل جماعة دينية»، تطرق الكاتب تشتنير تشتين إلى التحذير الذي وجهه مستشار جهاز الاستخبارات التركي هاكان فيدان لفتح الله غولن، والذي حذره فيه من تحويل الجماعة إلى تنظيم سياسي، ونصحه بأن يُبقي الجماعة في إطار العمل الخيري الاجتماعي الذي تبنّته الجماعة عند تأسيسها. من جهتها، صحيفة «صباح» تحدثت مع البروفسور أحمد كلتش الذي هاجم قناة «سامايوغلوا» التابعة لجماعة غولن. البروفسور الذي قضى ٢٥ سنة من عمره في خدمة هذه الحركة، قال إنه يشعر بألم شديد كلما شاهد ما تطلقه القناة من شتائم بحق أردوغان، مضيفاً أنه تبرع في بداية تأسيس الحركة بخاتم زوجته وبما كان في حصالة نقود أولاده، لكن الحركة ساهمت في تمويل الحملات الانتخابية الأميركية لكسب تأييد رجال الأعمال الأميركيين، متسائلاً «هل هذه التصرفات لا تخالف شرع الله؟».
وفي إطار التحذيرات الحكومية المتكررة لجماعة غولن، قال نائب رئيس الحكومة التركية بولينت أرنتش إن الجماعة تقوم بجمع الأصوات لمصلحة الأحزاب المعارضة لحزب العدالة والتنمية، محذراً الجماعة ممّا وصفه بالخطأ الكبير، ومؤكداً أن الحقائق ستظهر بنحو أوضح بعد انتهاء الانتخابات في ٣٠ آذار الجاري.
صحيفة «يني شفق» نشرت يوم أمس تحقيقاً تحت عنوان «الوثائق كانت تسلم إلى غولن قبل الدولة»، وكشفت فيه عن تسجيلات صوتية ووثائق تشير إلى أن فتح الله غولن كان يؤسس لشبكة استخبارية داخل الدولة، حتى إن التقارير الاستخبارية كانت تمر على غولن قبل مرورها إلى المسؤولين الأمنيين في تركيا. وأشارت الصحيفة إلى أن غولن كان لديه علم بالتخطيط لافتعال أحداث شغب في حي غازي عام ١٩٩٥ والتي راح ضحيتها ٢٢ مواطناً قبل شهر ونصف من وقوعها، ولفتت الصحيفة إلى أن غولن كان مطّلعاً على تقارير استخبارية من داخل المؤسسسة العسكرية التي خططت للانقلاب الأبيض في ٢٨ شباط ١٩٩٧ الذي أطاح حكومة نجم الدين أربكان. وأكدت «يني شفق» أن غولن بدأ بالتغلغل داخل مؤسسات الدولة منذ أكثر من ٣٠ عاماً.