لا تزال موسكو تعتمد سياسة التنصل مما جرى في جمهورية القرم، ملقية اللوم على الحكام الجدد لكييف في بلوغ الأزمة الأوكرانية هذا المدى. موقف تعززه تسريبات غربية عن أن المعارضة السابقة الأوكرانية كانت وراء إسالة الدماء في الميادين، في وقت كانت فيه واشنطن تطمئن حلفاءها في شرق أوروبا وتتوقع، على لسان رئيسها باراك أوباما، تخفيف حدة التوتر خلال الفترة المقبلة.
ورأى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في مؤتمر صحافي في مدريد بعد اجتماع مع نظيره الإسباني خوسيه مانويل جارثيا مارجايو أمس، أن «الغرب أرسى مثالاً سيئاً بدعمه للمتظاهرين في أوكرانيا الذين استولوا على السلطة في مخالفة للدستور»، مشيراً إلى أن «الدول الغربية تحاول تعقيد علاقاتها مع روسيا لتحقيق مصالحها». وقال: «هؤلاء الشركاء الغربيون الذين يجتمعون الآن مع الرادا (المجلس الأعلى للبرلمان) الأوكراني، يحاولون المضاربة على العلاقات بين روسيا والغرب وتعقيد هذه العلاقات، وهم يحاولون تحقيق مكاسب لأنفسهم وسط هذه المياه العكرة. أعتقد أن هذه السياسية غير جادة. أعتقد أن أقراننا الغربيين يفهمون هذه اللعبة تماماً».
ورد لافروف على سؤال عما إذا كانت موسكو ستأمر قوات موالية لها ترتدي الزي المموّه دون شارات، بالعودة إلى قواعدها، قائلاً: «إن ذلك غير ممكن؛ إذ إن روسيا لا سيطرة لها على هذه المجموعات». وتعليقاً على الأنباء عن إمكانية نشر عناصر منظومة الدفاع المضاد للصواريخ في الأراضي الأوكرانية، مقابل المساعدة المالية من واشنطن، قال لافروف إنها متاجرة، مشيراً إلى أنه لم يسمع هذا النبأ، «ولكن إذا كان صحيحاً، فهو مثال جديد على أن من يجلس اليوم في البرلمان الأوكراني يحاول بتغاضي الشركاء الغربيين، استغلال العلاقات بين روسيا والغرب، وتصعيد حدة التوتر في العلاقات بين البلدين، في محاولة للاستفادة منه».
يذكر أن الوزير سيرغي لافروف التقى أمس في باريس، نظيره الأميركي جون كيري، لبحث الوضع في أوكرانيا، حيث أعلن لافروف في ختام اللقاء توافق الوزيرين على ضرورة مساعدة أوكرانيا في تنفيذ اتفاق تسوية الأزمة الموقع في 21 شباط الماضي.
وأعلنت مصادر دبلوماسية أن وزير الخارجية الروسي رفض لقاء نظيره الأوكراني أندريه ديشتشيتسا أمس، في العاصمة الفرنسية، ما دفع الأخير إلى مغادرة فرنسا قبل أن يغير رأيه.
في المقابل، أعلن وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، أنه لم يستطع التوصل إلى اتفاق، مع نظيره لافروف، بالنسبة إلى الشأن الأوكراني، خلال اجتماع باريس. وأوضح عقب اللقاء «أنه بالرغم من عدم تحقيق أي تقدم ملموس في اللقاءات التي عقدتها مع لافروف، اليوم (أمس)، في باريس، إلا أنها مضت بشكل بناء ومثمر»، مشيراً إلى أنهم يفضلون النقطة التي توصلوا إليها أمس عن النقطة التي جرى التوصل إليها الثلاثاء. وأشار كيري إلى أن كافة الأطراف، في مباحثات أمس في باريس، متفقة على أهمية التوصل إلى قرارات في تلك الأزمة من طريق الحوار والطرق الدبلوماسية، معلناً أنه سيلتقي لافروف مجدداً اليوم في روما.
في السياق، رأى الرئيس الأميركي باراك أوباما، ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، في اتصال هاتفي، أن الوضع الراهن في أوكرانيا «غير مقبول»، وأكدا أن روسيا دفعت ثمن تدخلها، حسبما أعلن البيت الأبيض بعد اتصال هاتفي بين الزعيمين. وكان أوباما قد قال أول من أمس، إنّ «من الممكن أن ننجح في التوصل إلى تخفيف حدة التوتر في الأيام أو الأسابيع القريبة القادمة»، مؤكداً أن الوضع في هذا البلد جدي للغاية. وجدد أوباما تأكيده أن الولايات المتحدة تعتبر الممارسات الروسية في شبه جزيرة القرم «انتهاكاً للقانون الدولي».
وفي السياق، أعلن وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل، أمس أن بلاده قررت تكثيف التدريبات الجوية المشتركة مع بولندا، وزيادة مشاركتها في حماية المجال الجوي لدول البلطيق تهدف إلى تقديم ضمانات أمنية لحلفائها في شرق أوروبا الأعضاء في الحلف الأطلسي، في ضوء قلقها من تداعيات التحرك العسكري الروسي في أوكرانيا على أمنها.
من جهته، أعلن قائد الجيوش الأميركية المشتركة الجنرال مارتن دمبسي، أنه أجرى أمس اتصالاً هاتفياً بنظيره الروسي فاليري غيراسيموف، دعاه فيه إلى «مواصلة التحلي بضبط النفس خلال الأيام المقبلة، بهدف فسح المجال أمام حل دبلوماسي» في أوكرانيا.
في السياق، رأى الرئيس الأميركي باراك أوباما، ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، في اتصال هاتفي، أن الوضع الراهن في أوكرانيا «غير مقبول»، وأكدا أن روسيا دفعت ثمن تدخلها، حسبما أعلن البيت الأبيض بعد اتصال هاتفي بين الزعيمين
في غضون ذلك، أعلنت مصادر عسكرية أوكرانية أمس، أن القوات الروسية سيطرت جزئياً على قاعدتين لإطلاق الصواريخ في القرم، مغلقة في إحداها المبنى الذي تخزن فيه صواريخ. وفي الحالتين، في فيولنت قرب سيباستوبول، وفي افباتوريا غرب القرم، جرت العملية دون تبادل لإطلاق النار، لكنها تشكل تصعيداً في المواجهة بين القوات الروسية والأوكرانية في شبه جزيرة القرم التي ينطق سكانها بالروسية.
هذه الادعاءات الأوكرانية استدعت رداً روسياً، حيث وصف وزير الدفاع سيرغي شويغو، نشر بعض وسائل الإعلام لصور آليات عسكرية عليها أرقام روسية قيل إنها منتشرة في جمهورية القرم جنوب أوكرانيا، بالاستفزاز.
في هذا الوقت، رأى رئيس وزراء جمهورية القرم، سيرغي أكسيونوف أن قيادة الجمهورية غير مستعدة في الوقت الراهن للتفاوض مع كييف؛ إذ تعتبر السلطة الحالية هناك غير شرعية.
إلى ذلك، سُرِّب أمس اتصال جرى بين وزير خارجية أستونيا أورماس بايت ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون، يعود إلى تاريخ 26 شباط المنصرم. ويفيد الاتصال بأن قادة أوكرانيين موالين للغرب ربما أدوا دوراً في عمليات قتل المتظاهرين في كييف، حيث قال بايت خلال الاتصال إنه «ينتشر في كييف الآن اعتقاد يزداد قوة، بأن الرئيس الأوكراني المعزول فيكتور يانوكوفيتش لم يكن هو وراء القناصة، بل شخص من الائتلاف الجديد» في أوكرانيا، وأضاف بايت أنه أُبلغ في كييف أن هؤلاء القناصة «هم نفس القناصة الذين قتلوا الناس من الجانبين».
(الأخبار، أ ف ب، الأناضول)