لا يزال خطاب رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان على نسق هجومي ضد الداعية فتح الله غولن. أردوغان الذي شهدت شعبيته تراجعاً بسبب قضايا الفساد، يحاول أن يستنهض مناصريه قبيل الانتخابات البلدية نهاية الشهر الحالي عبر الهجوم على غولن. وبعد قرار البرلمان بإغلاق المدارس التابعة لغولن، هاجم أردوغان أنصار غولن أمس، داعياً زعيمهم إلى العودة إلى تركيا.
وأوضح أردوغان مخاطباً جماعة غولن: «إذا كنتم ترغبون خوض غمار العمل السياسي، فلا تستتروا خلف حزب الشعب الجمهوري أو حزب الحركة القومية، المعارضين، بل أسسوا حزبكم الخاص. وإذا كنتم تبحثون عن رئيس يتزعّم ذلك الحزب، فهو قابع في ولاية بنسلفانيا الأميركية (في إشارة إلى فتح الله غولن)».
ودعا أرودغان في مهرجان انتخابي لحزب الحرية والعدالة الحاكم، في مدينة نيده وسط تركيا، غولن للعودة إلى تركيا قائلاً: «أليست تركيا وطنه أيضاً؟ فليأت إلى أرض الوطن إن كان كذلك، لماذا لا يأتي؟ إن حكومتنا ستحاسب أولئك الذين يعملون على زعزعة أمن تركيا وهم جالسون في بنسلفانيا».
وشدد على أن «الجمهورية التركية لا ترضخ لأي عصابة ابتزاز تجمع الأتاوات عبر التسجيلات المفبركة»، مشيراً إلى أن الحكومة ستفتح ملفات الابتزاز الواحدة تلو الأخرى، وستواجه عصابة التنصت، وتخرجهم من جحورهم.
من جهته، دعا رئيس حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، كمال قيلجدار أوغلو، الناخبين الذين منحوا أصواتهم لحزب الحرية والعدالة الحاكم إلى سحب الثقة من رئيس الوزراء التركي. وقال قيلجدار أوغلو: «هل ستستمرون في كفالة رئيس وزراء يحمي المدير العام لمصرف «خلق» الحكومي سليمان أصلان الذي كان قد أخفى مبلغ 4.5 ملايين دولار في داره، داخل علب أحذية»، محذراً بقوله: «لا تكونوا شركاء في الحرام، لأن الشخص الذي اخترتموه قد نهبكم أولاً».
وفي السياق، ومع اقتراب الانتخابات البلدية، يحاول أردوغان جاهداً أن يحشد أنصار حزب الحرية والعدالة بعد تراجع شعبية الحزب إثر أزمة الفساد.
ويقول محللون إن التسجيلات المسربة لأردوغان قد تضر برئيس الوزراء في الانتخابات البلدية، التي تعتبر اختباراً رئيسياً لشعبيته قبل انتخابات الرئاسة التي ستجري في شهر آب المقبل والانتخابات البرلمانية التي ستجري العام المقبل.
ورأى رئيس مركز إسطنبول للدراسات الاقتصادية والسياسة الخارجية سنان أولغين أنه «رغم الطعن في صحة تلك الأشرطة المسجلة، إلا أنها وضعت الأزمة بأكملها في اتجاه مختلف، حيث جعلت أردوغان نفسه في وسط العاصفة».
وأكد أولغين في حديث لوكالة «فرانس برس» أن التسجيلات «سيكون لها تأثير كبير على شعبية رئيس الوزراء». ويقول مراقبون إنه إذا ما انخفضت حصة الحزب الحاكم من الأصوات، فقد يبدأ أردوغان في خسارة الدعم المهم له داخل معسكره.
بدوره، رأى الأستاذ في جامعة غازي في أنقرة، محمد عاكف أوكور أن «إسلاميي اليمين الوسط داخل الحزب غاضبون بشدة على رئيس الوزراء»، مضيفاً: «إذا فاز الحزب الحاكم بأقل من 40 بالمئة من الأصوات، يمكن أن نرى استقالات جماعية».
من جهته، رأى أستاذ العلوم الاجتماعية في معهد الدراسات المتقدمة في الولايات المتحدة، داني رودريك أن «حكومة أردوغان فقدت شرعيتها تماماً عقب هذه التسريبات».
وأضاف: «الأمر لا يتعلق فقط بحجم الفساد الذي يستلزم تأكيده من قبل محاكم حيادية، لكن كذلك بالطريقة التي تعامل بها أردوغان مع الأمر، حيث زاد حالة الاستقطاب في البلاد وأثار صراعاً اجتماعياً».
إلا أن البعض يعتقدون أن مستقبل أردوغان السياسي، وخاصة تطلعاته لأن يصبح رئيساً للبلاد، يعتمد في النهاية على قوة الاقتصاد الذي تعرض لهزات كبيرة في الأشهر الأخيرة لأسباب عدة، من بينها فضيحة الفساد.
وقال أولغين: «إذا انكمش الاقتصاد، سيؤثر ذلك بكل تأكيد على الانتخابات الرئاسية؛ لأن التقدم الاقتصادي هو الإنجاز الرئيسي لأردوغان منذ 2002».
وأشار اتيس الياس باسوي مؤلف كتاب «لماذا يفوز حزب العدالة والتنمية؟» إلى أن الناخبين قد يغضون الطرف عن اتهامات الفساد إذا لم يتدهور الاقتصاد.
وأوضح باسوي أن «أكثر الحكومات نزاهة في تاريخ تركيا أُطيحت في أوقات الأزمات الاقتصادية... لكن أكثرها فساداً استطاعت المحافظة على أصواتها عندما كان الاقتصاد مستقراً».
(الأناضول، أ ف ب)