في ظل الفوضى العارمة التي تسود أوكرانيا، لم يعد الحديث عن انفصال الشرق عن الغرب مجرد بدعة؛ فالشرخ القائم بين الشطرين منذ زمن ليس بقصير، قد تفاقم في الفترة الأخيرة لدرجة خطيرة، حيث بحث القائم بأعمال الرئيس الأوكراني أولكسندر تيرتشينوف، الوضع في شبه جزيرة القرم الناطقة بالروسية أمس، وعبّر عن قلقه من «توجهات انفصالية» وتهديدات لوحدة أراضي البلاد.
وينظم محتجون في شبه الجزيرة الواقعة في جنوب أوكرانيا تظاهرات مناهضة للزعماء الجدد للبلاد منذ عزل الرئيس فيكتور يانوكوفيتش، وعُيِّن رئيس بلدية يتحدث الروسية في سيفاستوبول، حيث يتمركز أسطول البحر الأسود الروسي.
ونقل المكتب الصحفي لتيرتشينوف عنه قوله في بيان مكتوب إنه سيُعاقَب من تثبت مسؤوليته عن التحركات الانفصالية.
كذلك شهد يوم أمس أولى حلقات العنف المبني على أسس عرقية ودينية، إثر حادث اعتداء على كنيس يهودي في مدينة زابوروجيه، جنوب أوكرانيا. وقال متحدث باسم رابطة الطوائف اليهودية في روسيا أندريه غلوتسر، إن مجهولين حاولوا إحراق الكنيس بواسطة زجاجات حارقة. وذكر غلوتسر بهذا الصدد أن ضعف السلطة في أوكرانيا اليوم يشجع القوى المتطرفة على شنّ هجمات على مواقع يهودية في البلاد.
في هذا الوقت أعلنت الولايات المتحدة أن نائب وزير خارجيتها وليام بيرنز، توجه إلى كييف أمس، لتأكيد دعم واشنطن للسلطات الأوكرانية الجديدة. وفي بيان لها، ذكرت وزارة الخارجية الأميركية أن بيرنز سيجري محادثات مع القادة الأوكرانيين ورجال أعمال ونشطاء مدنيين، بشأن سبل تقديم الولايات المتحدة الدعم لأوكرانيا، «لضمان مستقبل مستقر ديموقراطي مزدهر، بعيداً عن التدخل الخارجي». كذلك سيدعو المسؤول الأميركي أوكرانيا إلى عدم التباطؤ في تشكيل «حكومة انتقالية تمثل مصالح جميع أطراف الحوار السياسي» في البلاد، إضافة إلى حثها على اتخاذ خطوات عاجلة لإجراء إصلاحات ملحة من أجل معالجة الحالة السياسية والاقتصادية في أوكرانيا.
من جهة أخرى، اعتمد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس، لهجة معتدلة حول أوكرانيا بعد التصريحات التي أدلى بها أمس رئيس الوزراء ديمتري مدفيديف، مشيراً إلى أن من مصلحتنا أن تكون أوكرانيا جزءاً من «العائلة الأوروبية الكبيرة».
وقال لافروف في مؤتمر صحافي: «نحن موافقون على أن إرغام أوكرانيا على الاختيار بين إما أنت معنا وإما أنت ضدنا، أمر خطر وغير مفيد».
وأشار لافروف من جهة أخرى إلى أن روسيا لا ترغب في التدخل في شؤون البلاد، موضحاً: «نأمل أن يتمسك الجميع بالمنطق نفسه ويستخدم اتصالاته مع مختلف القوى السياسية في أوكرانيا، لتهدئة الوضع، وألا يحاولوا تحقيق بعض المنافع في مرحلة نحتاج فيها إلى حوار وطني، وحتى يعود الوضع إلى الإطار الشرعي».
هذا وأبدى لافروف معارضته إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في 25 أيار في أوكرانيا، مشيراً إلى أنها تخالف بنود الاتفاق الذي وُقّع في كييف الأسبوع الماضي للخروج من الأزمة.
وأشار وزير الخارجية الروسي إلى أن هذا الاتفاق الذي وقعه الأسبوع الماضي الرئيس فيكتور يانوكوفيتش وقادة المعارضة في حضور وسطاء أوروبيين ولم توقعه روسيا، ينص على أنه لا يمكن أن تجرى الانتخابات الرئاسية إلا بعد إجراء إصلاح دستوري قبل أيلول المقبل.
في غضون ذلك أعلنت المفوضة السامية للشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون من كييف، اهتمام الاتحاد بأن تكون لأوكرانيا علاقات «متينة» مع روسيا. وشددت آشتون أيضاً على أهمية الحفاظ على سلامة أراضي أوكرانيا ووحدتها. وفي ردّ على سؤال عن احتمال إرسال روسيا قواتها إلى شبه جزيرة القرم، قالت آشتون إنه «لا يوجد سبب لمناقشة هذا الموضوع». هذا وأشارت آشتون إلى أهمية ضمان نزاهة العملية الانتخابية، وشفافية عملية الترشح لمنصب رئيس الدولة في أوكرانيا، وذلك في ضوء تحديد يوم 25 أيار موعداً لانتخابات رئاسية مبكرة في البلاد. وفي ما يتعلق بالدعم المالي الأوروبي لأوكرانيا، قالت آشتون أن الاتحاد الأوروبي يدرس حالياً إمكانية منح كييف قروضاً قصيرة وطويلة الأمد، بما في ذلك من خلال تعاون وثيق بين الاتحاد وصندوق النقد الدولي.
وبحثت آشتون مع رئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموشينكو، سبل الخروج من الأزمة الحالية وتشكيل الحكومة الأوكرانية الجديدة، ومساعدات الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا.
وأعربت آشتون في اللقاء عن اعتقادها أن عودة تيموشينكو إلى الحياة السياسية بقوة، ستُسهم في تحقيق الاستقرار وتحافظ على وحدة أوكرانيا. من جهته، أجرى الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، اتصالاً هاتفياً بنظيره الروسي فلاديمير بوتين أول من أمس، تناولا خلاله الوضع في أوكرانيا، والانتقال السلمي للسلطة بها.
وبحسب بيان صادر عن الرئاسة الفرنسية، ركز الرئيس الفرنسي خلال اتصاله مع بوتين، على ضرورة إجراء انتقال سلمي للسلطة، وضرورة السهر على وحدة أوكرانيا وسيادتها، وتشكيل حكومة جامعة تسمح بتنظيم انتخابات رئاسية وتقوم بالإصلاحات اللازمة.
واتفق الرئيسان على القيام بكل ما في وسعهما لمساعدة أوكرانيا على تجاوز هذه المرحلة الصعبة «لتواكب التطور الاقتصادي»، إلى جانب متابعة المشاورات في هذا الاتجاه.
إلى ذلك، أعلن قسم العلاقات الخارجية في المحكمة الجنائية الدولية أمس، أن أوكرانيا لا تستطيع التوجه إلى المحكمة بطلب ملاحقة الرئيس المخلوع فيكتور يانوكوفيتش وباقي المسؤولين السابقين. وأوضح القسم أن المحكمة في لاهاي تنظر في الحالات وليس في تصرفات أشخاص معينين، ما يعني أنه «لا تملك أي دولة في العالم حق الطلب من المحكمة الجنائية الدولية ملاحقة أشخاص معينين». وقال إن صلاحية المحكمة لا تشمل حالياً أوكرانيا، لأنها لم تصدّق على الاتفاق الدولي الذي تمارس المحكمة على أساسه نشاطها.
(الأخبار، أ ف ب، الأناضول)