تحت شعارات مختلفة، تشهد فنزويلا توتراً أمنياً وسياسياً واجتماعياً وسط انقسام تفاقم منذ تسلم الرئيس الحالي نيكولاس مادورو الحكم، وهو رفيق وخليفة الرئيس الراحل هوغو شافيز. هل هذه بداية سقوط التشافزية»؟ الإعلام الأميركي يمني النفس بنهاية كهذه.
محطة «سي.أن.أن» رأت في تقرير لها أمس أعده دايفيد فرم أن «ما يحصل اليوم يبدو كأنه مؤشر لسقوط الحالة «الشافيزية»، التي أرهقتها السياسات الخاطئة لخلفه، فيما دافعت «نيويورك تايمز» عن الحريات العامة وحقوق الانسان «المنتهكة في ظل السياسة «التشافيزية».
تلعب أميركا بعدة أوراق للقضاء على النظام الفنزويلي، الذي أرهقها طيلة 15 عاماً، وتستخدم لذلك عدة عناصر، بينها العسكر، الذين سبق أن استعملتهم الولايات المتحدة وفشلت، لكنّ بعضاً منهم لا يزال منتظراً لحظة يمكنه فيها العمل، وإن كان الظاهر أن الإجراءات التي اتخذها الرئيس، والتي تسميها المعارضة تفكيك الجيش، قد أثرت كثيراً في قدرة المرتبطين برجال الأعمال وبالأميركيين على التحرك في مواجهة مادورو.
وهناك ايضا ورقة الإعلام، حيث لا يملك الرئيس سوى قناة تلفزيونية واحدة، بينما تملك المعارضة عدة قنوات تلفزيونية، إضافة إلى الارتباط والتداخل بين الإعلام الأميركي والإعلام الفنزويلي، كما تمسك واشنطن بقيادات نقابات العمال وجمعيات حقوق الانسان وتدعمها بملايين الدولارات لتقليب الرأي العام ضد الرئيس، كما أشارت صحيفة «الناسيوناي» الفنزويلية، إضافة إلى الأحزاب التي لها مصالح خاصة باعتبارها مستفيدة من حالة الفساد ومن الارتباط بشركات النفط.
وفي المقابل، يتكئ الرئيس الفنزويلي على إنجاز عدد من الإصلاحات، بدأها سلفه وأولها تأميم البترول، أو منع خصخصة آبار النفط وجعلها ملكاً للدولة فقط أو بالدقة إنهاء لعبة الدولة داخل الدولة، حيث شركة النفط هي دولة أميركية داخل الدولة الفنزويلية، وإلغاء الاتفاقات المجحفة والجائرة بالحقوق الفنزويلية من قبل الشركات الأميركية، وتنفيذ سياسة الإصلاح الزراعي وفق شعار الأرض لمن يفلحها، حيث صدر قانون بتوزيع الأراضي غير المستغلة على الفلاحين، سواء كان مالكها الأفراد أو الدولة. وثالثها حماية البيئة وحماية الصيادين التقليديين وتلك هي القوانين الثلاثة التي يجري عليها الإصلاح، والتي نجح تشافيز في ضمها ضمن الدستور الأساس للبلاد.
وتبقى أهم الأوراق الرابحة القوى الشعبية (المجموعات البوليفارية) التي تنتشر في كافة أنحاء الأحياء الفقيرة في مختلف اصقاع البلاد، وتمثل سنداً للرئيس، وهي مسلحة تسليحاً جيداً، وقادرة، كما يقول قادتها، على هزم الثورة المضادة وفي مقارها لا تجد سوى صور سيمون بوليفار وجيفارا إلى جانب صور تشافيز. وإذا كان للحراك الشعبي غايات سياسية وضعت خطوطها خارج الأراضي الفنزويلية، إلا أن ذلك لا يلغي المعاناة الاقتصادية الحادة، التي تشكو منها الدولة البوليفارية. فهناك أزمة مالية حادة، سعر صرف البوليفار الفنزويلي في انهيار مستمر، يرافقه نقص واضح في المواد الأولية والأغذية المدعومة من الدولة، يستغله المعارضون للتجييش ضد الاشتراكيين. وكانت الحكومة قد أقرت قبل رحيل تشافيز سياسات مصرفية جديدة لوقف النزف، لكن نتائجها لم تتجلّ بعد. وإحدى عاهات الحكم في فنزويلا تفشّي الهدر والفساد والجريمة قبل الحقبة التشافيزية التي لم تنجح إجراءات الحكومات الاشتراكية في الحد منها.
وأوضح خبراء اقتصاديون أن النقص في المواد الأساسية، الذي تواجهه فنزويلا عائد إلى عجز الحكومة عن الاستمرار في توفير الدعم لها نتيجة نقص السيولة، محذرين من أزمة اجتماعية تزداد سوءاً، كما حدث في السنوات الأخيرة لحكم الاتحاد السوفياتي. وكما تعاملت مع سلفه، تسعى أميركا لإسقاط مادورو باستخدام الشارع، ومن قبل الأغنياء رجال الأميركيين، أو الذين تفرضهم أميركا على حكومات العالم، تحت أسماء «حركية»، مثل منظمات المجتمع المدني وجمعيات حقوق الإنسان وأرباب العمل أو الأحزاب الفاسدة، أي إنها تجربة تأتي على عكس ما كانت تلعب به أميركا في هذا القطاع من العالم، الذي اعتمدت فيه على الطغم العسكرية والقوات المسلحة المحلية في إطاحة الرؤساء. وهو ما حاولته من قبل مع الرئيس الراحل هوغو تشافيز، حينما أعلنت تأييدها للانقلابيين، بل كان السفير الأميركي يشرف لحظة بلحظة على ترتيبات وتنفيذ الانقلاب، لكن الانقلاب فشل برغم تمكن العسكر من اعتقال الرئيس نفسه، حيث تجمعت على الفور مسيرة من مليون مواطن من أنصار تشافيز حاصروا المقر المعتقل فيه الرئيس وأخرجوه من السجن والاعتقال إلى مقر الرئاسة مباشرة.
إذاً تختار أميركا لعبة المجتمع المدني الذي ركبته على طريقتها (هي نفس خطة باول في منطقتنا العربية) للانقلاب على الرئيس الشرعي عن طريق التظاهرات، على غرار «الربيع العربي» المشؤوم. وهي التجربة التي تقوم أميركا فيها باللعب بورقة تخسر فيها اقتصادياً كل يوم، وتعرض إمدادات البترول لها للخطر، حيث هي المشجع على الإضراب عن إنتاج البترول على طريقة خسارة قريبة تحتمل، ولا خسارة كبيرة بعيدة لا تحتمل!
وتشهد البلاد منذ حوالى 15 يوماً موجة تظاهرات طلابية احتجاجاً على انعدام الامن وعلى الوضع الاقتصادي وينظم الطلاب تظاهرات شبه يومية تتخلل بعضها أحداث وصفتها الحكومة بأنها محاولة انقلاب، متهمة الولايات المتحدة والمعارضة المتطرفة بنشر الفوضى في فنزويلا.
الاشتراكي مادورو يصر على أن المعارضة مدفوعة من جهات خارجية، سعياً إلى إنهاء حكمه والسيطرة على البلاد، ويردد في إطلالاته بأنه يتعرض لـ«محاولة انقلاب»، متمسكاً بمواقفه ودعا أنصاره إلى «توسيع التعبئة»، كما اتهم «اليمين الفاشي» بالسعي إلى إثارة «حرب أهلية كما في ليبيا أو سوريا».
يقف مادورو أمام عدو شرس يستخدم كل الأساليب للقضاء على الإرث السياسي الذي تركه الزعيم العنيد هوغو شافيز، فهل ينجح كما سلفه بتحطيم الحلم الأميركي بالسيطرة على مقدرات بلاده؟!




واشنطن تنفي دعمها للمتظاهرين

ردت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية جنيفر بساكي (الصورة) أمس على قرار كراكاس طرد 3 دبلوماسيين أميركيين بالتأكيد أن «الاتهامات الموجهة الى الولايات المتحدة بتقديم المساعدة إلى المتظاهرين في فنزويلا عارية عن الاساس وغير صحيحة». وقالت «نحن ندعم حقوق الانسان والحريات الاساسية، بما فيها حرية التعبير والتجمع السلمي في فنزويلا، كما نفعل في دول العالم الأخرى»، مضيفة «لكن كما قلنا طويلاً، فإن القرار بشأن مستقبل فنزويلا السياسي يعود إلى الشعب الفنزويلي».
وخرج أحد قادة الحركة الاحتجاجية ليوبولدو لوبيز الصادرة بحقه مذكرة توقيف على علاقة بأعمال العنف، عن صمته في شريط مصور نشر في حسابه على موقع تويتر، معلناً أنه سينضم الى التظاهرة لرفع عريضة الى وزارة الداخلية والعدل.
من جهته، أعلن انريكي كابريليس حاكم ولاية ميراندا (شمال) وأبرز وجوه المعارضة للرئيس مادورو، أنه سينضم الى المتظاهرين. وبعيد دعوة لوبيز الى التظاهر، اعلن مادورو الذي وصف هذه الاحتجاجات بـ«محاولة انقلابية» بمشاركة الولايات المتحدة والرئيس الكولومبي السابق الفارو اوريبي، عن تظاهرة مضادة لعمال في القطاع النفطي التابع للدولة في اليوم نفسه، وفي القطاع نفسه من العاصمة.
وتظاهر حوالى الف طالب الاثنين في شرق العاصمة أمام المجلس الوطني للاتصالات احتجاجاًً على الرقابة، في وقت تهدد فيه هذه الهيئة بمعاقبة وسائل الاعلام التي «تروج للعنف».