قطعت حركة «طالبان» حبل الشكوك حول وفاة «أميرها» الملا محمد عمر. فبعد إعلان السلطات الأفغانية امتلاكها معلومات «دقيقة» تؤكد وفاة الملا عمر، في أحد مستشفيات مدينة كراتشي الباكستانية في نيسان 2013، في ظروف غامضة، ونفي «الحركة» هذه المعلومات، عادت «طالبان»، أمس، ونعت زعيمها، الذي توفي «بسبب مرض ألمّ به»، من دون أن تقدم أيّ تفاصيل إضافية.وفاة الملا عمر كانت مادة «سنوية مكررة» للمخابرات الباكستانية، خصوصاً أن زعيم «طالبان» أحاط نفسه بهالة أمنية شديدة. لا صور فوتوغرافية ولا تسجيل مصوراً. بات عمر مجرد اسم، يُلحق عند ذكر «طالبان»، التي قررت قبل أشهر من وفاته نشر سيرته الذاتية.

في نيسان من العام الجاري، شهدت أفغانستان «تمدداً داعشياً» و«بيعات لتنظيم داعش» من القبائل الفقيرة والمستقرة في المناطق النائية لأفغانستان، ومعظمها على الحدود الإيرانية ــ الأفغانية. يومئذ، عزا المتابعون للجماعات الإسلامية «تمدد الدولة» إلى ضعف قياديّ في «طالبان»، فما كان من الحركة إلا أن نشرت سيرة زعيمها «الملا عمر»، في الذكرى العشرين لقيادتها، لتعود لاحقاً وتوجه رسالة إلى زعيم «داعش»، تهدده من الاقتراب من مناطق نفوذ «الحركة» (راجع الأخبار ٢٦١٩).

عن «أمير المؤمنين»

تقول «الرواية الطالبانية» لسيرة «الملا عمر» إنه ولد عام 1960 في أسرة متدينة من قرية چاه همت الأفغانية في مديرية خاكريز من ولاية قندهار. وعند بلوغه الثامنة، دخل إلى المدرسة الابتدائية الدينية في منطقة شهركهنه. ومع بلوغه الثامنة عشرة، بدأ دراسة «العلوم الشرعية العليا»، التي تركها بعد أقل من عام ليلتحق بصفوف «حركة الانقلاب الإسلامي»، ويقاتل «المد الشيوعي المجتاح لبلاده»، ثم عاد عام 1991 وأسّس مدرسة دينية في إحدى قرى إقليم قندهار مع «إخوانه المجاهدين»، ويستكمل دراسته الدينية معهم.
وتضيف «السردية الطالبانية» أن عمر بدأ عمله «الجهادي في مديرية دهراود»، وتعرض لأربع إصابات ما بين 1983 حتى 1991، وفقد في المرة الأخيرة عينه اليمنى، أثناء قتاله «القوات الروسية»، لافتة إلى أن سلاحه المفضّل كان قاذف (R.P.G)، أو ما يُعرف بـ«ب 7».
عام 1995، بدأ «الملا عمر» ومن معه تأسيس النواة الأولى لـ«طالبان»، التي سمّيت لاحقاً «الإمارة الإسلامية». نادت «طالبان» بـ«قيام نظام إسلامي» وبـ«محاربة الفساد المستشري». وفي 1996، ومع تمكّن «طالبان» من السيطرة على 90% من الأراضي الأفغانية، بويع «الملا عمر» من 1500 «عالم»، معلناً «إمارته الإسلامية»، وملقّباً نفسه بـ«أمير المؤمنين».
في سياق «السيرة»، تتغنى «طالبان» بإمارتها الإسلامية، ونظامها المرتكز على «الشريعة الإسلامية». وتعلل «الحركة» في سردها سبب «العداء الغربي» لها، بعدم «تحمل المستكبرين قيام الإمارة وتطبيق الشريعة»، فاتّخذوا «موقفاً عدائياً لكي يهاجموها».
وتمتدح «الحركة» في منشورها شخصية قائدها وصفاته، فهو «لا يشتاق إلی الحديث مع الناس إذا لم تكن هناك ضرورة»، إضافة إلى اهتمامه بـ«قضايا الأمة» ودفاعه «عن فلسطين والمسجد الأقصى». وتقول «السيرة» إن «الملا» «يتبع منهج أهل السنّة والجماعة، ويقلّد المذهب الحنفي الماتريدي، ويكاره الخرافات والبداع». ويعلّق أحد «القاعديين» على ذلك بأن زعيم «قاعدة الجهاد العالمي»، السعودي أسامة بن لادن، بايع «الملا أميراً للمؤمنين»، رغم كونه سلفياً.
وقضى «الملا عمر»، وفق «الرواية» نفسها، وقته في «ظروف أمنية صعبة». لكن ذلك لم «يؤثّر في وظائفه ومراقبته لتنظيمه»، فهو يفتتح نهاره «بالعبادة وتلاوة القرآن الكريم»، ويتابع شؤون «طالبان الجهادية، ويقيّم انتصاراتها»، إضافة إلى متابعة «الأخبار العالمية».

عن هيكلية «طالبان»

وفي انعطافة لتظهير دور «أمير المؤمنين» في قيادة الإمارة، يرسم المنشور بعض ملامح هيكلية الحركة، بدءاً من «مجلس الشورى» المتكوّن من 20 فرداً، يختارهم «الملا» بنفسه، ويعقد اجتماعاته التي يرأسها «نائب الإمارة». ويقوم المجلس باتخاذ القرارات السياسية، والعسكرية، والاجتماعية وغيرها، في حين تشمل «القوّة القضائية»: المحاكم الابتدائية، والمرافعة، ورئاسة التمييز العالي. كذلك تضم الحركة تسع «لجان تنفيذية»، أو «وزارات»، أهمها «اللجنة العسكرية»، إضافة إلى: السياسية، والإعلامية، والاقتصادية، والصحّية، والتعليم والتربية، والدعوة والإرشاد، وشؤون الأسری، وشؤون المؤسسات.
طوت «طالبان» صفحة أميرها بعد عشرين عاماً من القيادة، اشتعلت إثرها حسابات «الجهاديين» على مواقع التواصل الاجتماعي تنعى «المجاهد»، وتستثمر وفاته لتكذيب «إمارة أبو بكر البغدادي وتنظيمه داعش».
على صعيد آخر، رأت السلطة الأفغانية في موت «الملا» ضرورة لبدء المحادثات مع «طالبان»، التي أعلنت في بيان لها، أمس، أن «لا علم لها بذلك». وما بين موت «أمير المؤمنين» و«إمكانية المشاورات مع كابول»، هل سيبايع قادة «طالبان» وعناصرها «أمير المؤمنين» الحالي «البغدادي»، أم أن «الحركة» ستظل على «عهدها» مع «أميرها»؟