وافقت تركيا بصورةٍ رسمية أمس على السماح لقوات «التحالف الدولي» باستخدام قاعدة إنجرليك الجوية ضد تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش). وفي وقتٍ بدأت فيه مسارات الحملة العسكرية تُبرز العجز الأميركي ــ التركي عن إيجاد آليات فعالة في الشمال السوري لإرساء «المنطقة الآمنة» المنشودة، الأمر الذي يعكس ضبابية مستقبل العملية العسكرية الراهنة، تتضح في المقابل تطلعات الحكومة التركية من العملية التي جنّدت لها ماكينة إعلامية ضخمة.
وفيما تصدر عن واشنطن تأكيدات بأهمية الدور التركي في تحديد مستقبل المنطقة، تعوّل تركيا على هذه المعركة لتبرهن من جديد أهميتها في المعادلات الاقليمية، ولا سيما في ما يتعلق بالحرب السورية. وتوضح تصريحات نائب رئيس الوزراء التركي هذه الرغبة، حيث سارع يوم أمس إلى إعلان «النصر السياسي والعسكري» الذي حققته تركيا عبر العمليات العسكرية والتدابير الأمنية، مؤكداً أن دول العالم أقرّت مجدداً بـ «أحقية الموقف التركي».
وريثما يتضح مضمون الصفقة الأميركية ــ التركية بصورةٍ تامة، تدلّ معطيات حرب أنقرة والتوقعات منها على أن الحليفين قد يتصادمان سياسياً من جديد، خصوصاً عند البحث في بلورة «المنطقة الآمنة» الذي انطلق بين الدولتين، وفقاً لمسؤولين أميركيين. ومن المرجّح أن تمثل هوية «القوات البرية» في الشمال السوري موضع الخلاف الرئيسي بين واشنطن وأنقرة.

دعا دميرتاش
«العمال الكردستاني» وأنقرة إلى العودة لعملية السلام

وأعلن مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية أن بلاده تحتاج إلى تركيا من أجل «تطهير» المدن الشمالية في سوريا من تنظيم «داعش»، ولملء الفراغ بـ«المعارضة السورية المعتدلة»، على أن يتم تحديد الفصيل المعارض بالتشاور بين البلدين. وأكد المسؤول بدء حوار مع تركيا بشأن «إمكانية العمل بالتنسيق مع الجماعات المعارضة، للبدء بتطهير آخر امتدادات الحدود»، محدداً طول الحدود التي يدور البحث مع تركيا بشأنها بحوالى 98 كلم.
وأكد المسؤول عزم واشنطن وتركيا على «دراسة الطرق لتنظيم مقاتلي المعارضة المعتدلة بالتنسيق معنا ومع التحالف لتطهير آخر نطاق من الحدود»، مشدداً على أنه «لن يكون هناك منطقة حظر جوي في سوريا»، في تأكيد جديد على التعارض الاميركي التركي عند هذه النقطة. ولم يكشف المسؤول عن الآلية التي سيتم بها العمل مع الأتراك، إلا أنه قال إن «عمق وشكل وطرق التعاون بين البلدين، أمور سنبحثها مع الأتراك، لكن المهم أن ذلك لن يضم أي جنودٍ أتراك أو أميركيين»، مؤكداً كذلك أن «هناك جماعات معارضة في سوريا لن نعمل معها بالقطع».
وأضاف المسؤول أن الاتفاق الذي تم الاعلان عنه أخيراً بين البلدين، هو نتيجة عمل استمر لنحو عشرة أشهر، بدأ بتقوية مجالات التعاون بين البلدين للقضاء على «داعش»، وأن هذا التعاون تم على مراحل، بدءاً من برنامج تسليح «المعارضة السورية»، ومن ثم المراقبة في سوريا من أجل السيطرة على شبكات «داعش»، وانتهاءً بالاتفاق على فتح تركيا قواعدها لطائرات التحالف الدولي. وبرر مسؤول أميركي آخر استهداف تركيا مقار «العمال الكردستاني» بشنّ الأخير هجمات ضد الشرطة والجنود الأتراك.
من جهةٍ أخرى، وبعدما جددت أنقرة استهداف مواقع حزب «العمال الكردستاني» في الأراضي العراقية، نفى المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، جون كيربي، أن تكون واشنطن قد أقرّت الضربات التركية شمالي العراق، فيما أدانت بغداد الهجمات التركية المستمرة ضد أراضيها، داعيةً إلى تجنّب المزيد من التصعيد والسعي إلى حلّ للأزمة.
على الصعيد الداخلي، دعا صلاح الدين دميرتاش، أمس، الحكومة التركية وحزب «العمال الكردستاني» إلى العودة لعملية السلام ووقف القتال. ورأى، في مقابلة مع قناة «بي بي سي»، أن العملية العسكرية التركية ضد مسلحي تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا غطاء لاستهداف حزب «العمال الكردستاني». وفيما اتهم أنقرة بالسعي إلى تقويض قوة الأكراد في سوريا من خلال المنطقة العازلة التي تخطط لإنشائها على الحدود، أكد أن على تركيا التعاون مع القوات الكردية لإنشاء هذه المنطقة.
وكان نائب رئيس الحكومة التركي، يالجين أقدوغان، قد شدد على أن حزب «العمال الكردستاني» يقوم بـ«حملة قذرة» بالتعاون مع «الكيان الموازي» (جماعة الداعية الاسلامي فتح الله غولن)، مستغلاً وجود تنظيم «داعش»، «من أجل وضع تركيا في موقف صعب أمام العالم، واتهامها بدعم التنظيم».
وهاجم أقدوغان «الشعوب الديموقراطي»، متهماً إياه بتأخير عقد مؤتمر لقيادات «الكردستاني» الذي دعا إليه زعيم الحزب عبدالله أوجلان، لثلاث أسابيع متعاقبة، من أجل إلقاء السلاح. وأضاف أقدوغان: «قدم أوجلان كل أنواع الرسائل السلمية الشفهية والمكتوبة والموقّعة لإلقاء السلاح، إلا أن حزب الشعوب الديمقراطي امتنع عن كشفها عمداً».
ميدانياً، تجددت هجمات القوات المسلحة التركية على مواقع «العمال الكردستاني» في جبال قنديل شمالي العراق ومناطق جنوب شرق تركيا. واستهدفت الغارات ليل أول من أمس ستة مواقع، في قصفٍ هو الأعنف منذ بداية العمليات يوم الجمعة الماضي. ووفقاً لبيان صادر عن رئاسة الحكومة، دمرت المقاتلات ملاجئ ومستودعات وقواعد لوجستية وكهوفاً يستخدمها «الكردستاني». وفي جديد عمليات الاعتقالات الواسعة التي تشنّها أنقرة، أعلن مكتب رئيس الوزراء التركي، أمس، احتجاز 1302 شخص يُشتبه في صلاتهم بتنظيم «داعش» وبحزب «العمال الكردستاني» وبجماعات يسارية. وبعد تعرض خط أنابيب الغاز بين تركيا وإيران لهجوم يوم الاثنين الماضي، شنّ مجهولون هجوماً على خط الأنابيب التركي العراقي الذي ينقل نفط كركوك إلى ميناء جيهان التركي، ما أدى إلى وقف ضخ النفط. وكانت شركة «بوتاش» التركية الحكومية لتشغيل خطوط الأنابيب قد رجّحت، أمس، استئناف ضخ الغاز من إيران إلى تركيا يوم الأحد المقبل.
(الأخبار، الأناضول، أ ف ب، رويترز)