إسطنبول | أثارت تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان، أول من أمس، نقاشاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية، والأهم الدينية، بعد أن شدد على «ضرورة تحديث الإسلام وأحكامه العقائدية». وجاءت أقواله هذه بعد أن شنّ هجوماً عنيفاً ضد البعض من رجال الدين وأساتذة كليات الشريعة وزعماء البعض من الطرائق والمجموعات الدينية، الذين أثاروا غضباً عاماً بسبب مقولاتهم المثيرة للجدل.
فقد شهدت ــ وما زالت تشهد ــ تركيا نقاشاً واسعاً بسبب أقوال وتصريحات قالها بعضهم، مثل: «إذا دخلت الفراش فعليك أن تنام فوراً، وإلا فإن الغطاء والوسادة قد تستفزّ غرائزك الجنسية، وهذا حرام». وكانت المقولة الأقوى للمدعو نور الدين يلدز، إذ قال: «أن تكون مع امرأة في المصعد فهذا أيضاً حرام، لأنها خلوة جنسية». وأفتى آخرون بـ«ضرورة تزويج البنات إذا بلغن سنّ الثامنة». وناشدوا الرجال «عدم تقبيل يدَي والدة الزوجة، إذا كانت هذه الأم شابة وجميلة (ليست عجوزاً)، باعتبار ذلك أيضاً يستفز الغريزة الجنسية، خاصة إذا لم يكن هناك أحد في المنزل». وآخرون اعتبروا «المرأة التي يضربها زوجها كل يوم محظوظة، باعتبار إرضاء الزوج هو حكم ديني».
وجاءت هذه المقولات وسط أحاديث يومية ذات مضمون ذكوريّ في مختلف أنحاء البلاد، تتحدث عن ضرب الفتيات والنساء في الشوارع أو حافلات البلدية، بحجة أنهن يلبسن «ملابس ضيقة تستفزّ الرجال»، فيما أصدرت محكمة محافظة ماردين في جنوب شرق البلاد حكماً ببراءة شرطي اعتدى جنسياً على امرأة بحجة «أنها كانت تلبس ملابس ضيقة واستفزازية وتحفظ في هاتفها النقال أسماء المئات من الرجال». وكان ردّ فعل المرأة على القرار هو محاولتها الانتحار، قبل أن ينقذها الأطباء. كل ذلك وسط ازدياد عدد الطرائق والتكايا الدينية، وإطلاق كل واحدة منها إذاعة وقناة تلفزيونية يطل من خلالها زعيم هذه الطريقة ليتحدث عن القضايا الدينية التي أصبحت مادة محطات التلفزيون الرئيسيّة التي تخصّص برامجها الصباحية لمواضيع دينية يتحدث فيها رجل دين أو أستاذ شريعة، مقابل مبالغ مالية ضخمة. وتستهدف هذه البرامج قطاعات واسعة من المواطنين، وخاصة النساء، إذ أثبتت الأرقام أن ظاهرة التدين انتشرت بينهن أكثر من الرجال.
وفي الوقت الذي تحظى فيه جميع المجموعات والطرائق والزوايا والتكايا الدينية بدعم مالي سياسي مباشر من حكومة «حزب العدالة التنمية» ذات الأصول الدينية، باعتبار أن تلك المجموعات تخدم مشاريع الرئيس الدينية والقومية، داخلياً وخارجياً، فهي جميعها تتبنّى مقولات أردوغان وسياساته من أجل أسلمة الدولة التركية، التي تسيطر عبر رئاسة الشؤون الدينية (وهي بمثابة وزارة الأوقاف) على حوالى 100 ألف جامع. كذلك تحظى سياسات الرئيس، الخاصة بدعم التيارات والمجموعات الإسلامية في المنطقة وسوريا خاصة، بدعم كل المجموعات الدينية التي كانت ترى في «داعش» و«جبهة النصرة» وكل المجموعات المسلحة في سوريا صديقاً وحليفاً لفكرها الديني، المعتدل منه أو المتطرف، طالما أن هذه المجموعات تتعاون مع أنقرة من أجل تطبيق مشاريعها ومخططاتها «التركية القومية والعثمانية الاسلامية» التي انطلق على أساسها الرئيس أردوغان في سياساته. وقال الأخير أمس (الجمعة)، إنه «من أجل التصدي للظالم والظالمين (يستخدم هذه الكلمات عندما يتحدث عن الرئيس بشار الأسد) دخلت تركيا جرابلس والباب والراعي»، ومن دون أن ينسى أن يتراجع عن مقولاته أول من أمس، الخاصة بتحديث الإسلام، والتي اعترض عليها البعض من رجال الدين، واتهموه «بالتدخل في الشأن الديني العقائدي»، وقالوا إن «القرآن والعقائد الدينية غير قابلة للنقاش أو التأويل».
كل ذلك في الوقت الذي لا يغيب فيه تأثير سياسات حكومة «العدالة والتنمية» في الشارع، حيث ازداد عدد مدارس الإمامة والخطابة (الشرعية) في جميع أنحاء البلاد. واستقبلت الكثير من الطلاب بواقع عدم وجود مدارس أخرى. كذلك ألغت وزارة التربية والتعليم الكثير من المناسبات والاحتفالات بحجة أن الطالبات يلبس ملابس «قصيرة أو ضيقة... وهو ما يستفزّ الطلاب والأساتذة» والجمهور الذكوري. وسجّلت أيضاً دورات تعليم القرآن الكريم للصغار في الجوامع والمعاهد التابعة للطرائق والتكايا الدينية أرقاماً قياسية، وذلك على الرغم من الأخبار التي تتحدث باستمرار عن قصص الاعتداءات الجنسية على هؤلاء الصغار في البعض من هذا الدورات،
ومن دون أن تؤثر كل هذه الحسابات والقصص على شعبية الرئيس أردوغان، «الزعيم السياسي الروحاني» للأمة التركية التي يقول عنها هو نفسه إنها «وريثة الامبراطورية العثمانية».