تتجه الأنظار اليوم إلى مدينة ميونيخ في ألمانيا، حيث تنطلق فعاليات المؤتمر السنوي للسياسة والأمن بدورته الـ 54، وذلك بمشاركة واسعة وحضورٍ كثيف في ظروفٍ استثنائية، ووسط تحدياتٍ أمنية عالمية وإقليمية كبيرة، وهو ما يثقل جدول الأعمال المليء بموضوعات من قبيل تنامي انعدام الأمن في العالم ومستقبل العلاقات الأطلسية وأزمة أوكرانيا والعلاقات بين الغرب وروسيا، والتحديات التي تواجه الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى الوضع الأمني في منطقة المحيط الهادي بما يشمل الأزمة مع كوريا الشمالية.
وما يكسب هذا المؤتمر أهمية هو مشاركة «نخب دولية» في السياسة الأمنية في جلساته، كما وضعته جامعة بنسلفانيا في الولايات المتحدة في تصنيفها الجديد للمرة الرابعة على التوالي في مرتبة أهم مؤتمر في العالم. ويتوقع مشاركة 16 رئيس دولة و15 رئيس حكومة و47 وزير خارجية و30 وزير دفاع و59 ممثلاً عن منظمات دولية.
وستشكّل أيام المؤتمر المتواصل حتى بعد غد الأحد، فرصة واسعة للاطلاع أكثر على مواقف الإدارة الأميركية الجديدة، إذ يشارك عن واشنطن نائب الرئيس، مايك بينس، ووزير الدفاع، جايمس ماتيس، ووزير الأمن القومي، جون كيلي. أما من الجانب الروسي، فيشارك وزير الخارجية، سيرغي لافروف، فيما أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، للمرة الأولى، حضوره. كذلك، يشارك من تركيا رئيس الوزراء بن علي يلدريم، فيما يمثل الاتحاد الأوروبي رئيس المفوضية، جان كلود يونكر، إلى جانب عدد آخر من المفوضين، على أن تحضر أيضاً رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي.
وبالعودة إلى التحديات التي سيتناولها المؤتمر، رسم تقرير «ميونيخ للأمن»، الذي سبق انعقاد المؤتمر، صورة قاتمة عن الأمن العالمي، إذ يشير إلى تصاعد في وتيرة الصراعات، رابطاً تغير المناخ بالصراعات التي ساهمت بدورها في الهجرة والمجاعة.
وحمل التقرير عنوان «إلى الهاوية ــ والعودة؟»، فيما ذكر رئيس المؤتمر، فولفغانغ إيشنغر، خلال التقرير، أنه بات واضحاً أن العالم أصبح خلال العام الماضي «أكثر قرباً من حافة الصراعات المسلحة الثقيلة»، مشيراً إلى الصراع بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية من جهة، والتنافس المتزايد بين السعودية وإيران من جهة أخرى، فضلاً عن التوترات المتصاعدة باستمرار بين «حلف شمالي الأطلسي» وروسيا في أوروبا.
لكن هذا التقرير يتابع ويبني على ما جاء في تقرير العام الماضي، علماً بأن الأخير حذر من وجود اتجاه أميركي في ظل الحكومة الجديدة للرئيس، دونالد ترامب، إلى «التخلي عن دورها في ضمان الأمن الدولي والتزام سياسة أحادية الجانب تركز على الشؤون الأميركية فقط». كذلك، واصل تقرير هذا العام استنتاج أن واشنطن «تنسحب من دورها القيادي... وباتت تبدي اهتماماً ضئيلاً ببناء مؤسسات إقليمية أو حتى عالمية تضع قواعد لتشكيل العلاقات الدولية».
ويضيف التقرير أن هذا التوجه يترافق أيضاً مع «اهتمام أقل بالدبلوماسية، إذ انخفضت ميزانية الخارجية الأميركية كثيراً مع ارتفاع في النفقات العسكرية»، ناقلاً عن خبير في السياسة الخارجية الأميركية ج. جون اكينبيري، قوله إن «أقوى دولة في العالم بدأت تخريب النظام الذي وضعته بنفسها». فهي قد خلقت، بخروجها من «اليونسكو»، واتفاق المحيط الهادئ، ومعاهدة باريس بشأن تغير المناخ، بجانب تهديدها بالانسحاب من الاتفاق النووي، وضعاً خاصاً لنفسها في الساحة الخارجية، وكذلك لشركائها ومنافسيها وأعدائها على حد سواء.
أما عن الأوروبيين، فهذا يعني تحدياً أكبر بالنسبة إلى أمنهم، لذلك ذكّر التقرير بتصريحات المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، عقب زيارة ترامب لألمانيا في أيار الماضي، عندما قالت: «الأيام التي استطعنا فيها الاعتماد كلياً على الآخرين ولّت إلى غير رجعة... يجب الآن على الأوروبيين أخذ مصيرهم بأيديهم»، وهو ما يعني أيضاً ارتفاع نفقات الأسلحة. هنا ذكر التقرير أنه في حالة محافظة جميع دول الاتحاد على الـ 2%، أي تخصيص 2% من ناتجها القومي للجيش، فإن الإنفاق العسكري سيزداد بنحو 50% وسيبلغ حوالى 386 مليار دولار بحلول عام 2024. لكن، ليصبح الجيش الأوروبي أكثر كفاءة، يجب عليه أن يكون قبل كل شيء مترابطاً في ما بينه، كما سيكون من الضروري توحيد الصناعة الحربية الأوروبية الواسعة النطاق.
للناحية الإيجابية، شخّص التقرير وجود مساع على الأقل للتقارب في المجال الدفاعي بين الدول الأوروبية، بعدما قررت 25 دولة تنسيق سياساتها الأمنية والدفاعية على مستوى الاتحاد في إطار ما يطلق عليه التنسيق الهيكلي الدائم (PESCO)، فيما تعتزم فرنسا وألمانيا العمل معاً لتطوير الجيل اللاحق من الطائرات المقاتلة.
من جهة أخرى، وتتمة لما طرح في تقرير العام الماضي بخصوص مواضيع المناخ والهجرة، وهي التي شغلت مساحة مهمة من جدول أعمال المؤتمر، فإن تقرير هذا العام يشجب بصراحة انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس، وعدم اعتبار تغير المناخ خطراً أمنياً ضمن استراتيجية الأمن القومي الأخيرة. ويذكر التقرير أن آخر ثلاثة أعوام سجلت أعلى درجات الحرارة منذ بدء تسجيلها، وهي أيضاً أكثر الأعوام التي شهدت مجموعة من الكوارث الطبيعة؛ منها العواصف والجفاف والفيضانات.

أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي حضوره المؤتمر للمرة الأولى


بالانتقال إلى آسيا، يتوقع خطاب صيني قوي في هذه الدورة، وخاصة أن الرئيس الصيني، شي جين بينغ، تحدث كثيراً عن التحولات العالمية، وآخر ذلك الخطاب الذي ألقاه في المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي في بلاده، إذ كرر سبع مرات عبارة أن «الصين تخطط لدخول مرحلة جديدة في العقود الثلاثة المقبلة حتى 2050»، وهو تكرار رأى فيه محللون إشارة إلى نظام عالمي جديد، ونقطة بداية من شأنها أن تؤثر في الصين والعالم لعقود طويلة، في ظل نية بكين احتلال مركز أقرب إلى صدارة العالم في القرن الحادي والعشرين، وهي التي أصبحت قطباً اقتصادياً ثانياً وقوة عسكرية ثالثة بعد الولايات المتحدة وروسيا.
أما عن الأزمة النووية الكورية الشمالية، وخلق ائتلاف أميركي يضم اليابان وكوريا الجنوبية وأوستراليا والهند لمواجهة زخم بكين في الساحة العالمية، فتضاف إلى قضايا الأمن الروسي ومسألة تدخل موسكو في الانتخابات الأميركية ومشاركتها في الحرب السورية، إضافة إلى اجتماع حول أزمة أوكرانيا في إطار ما تسمى «رباعية نورماندي»، أي بمشاركة ألمانيا وفرنسا وأوكرانيا وروسيا، كما ستعقد نحو ألف محادثة ثنائية في كل يوم من أيام المؤتمر.
(الأخبار)