منحت الولايات المتحدة الأميركية، أمس، إمارة قطر، جرعة دعم في خضم المقاطعة المفروضة عليها منذ حزيران/ يونيو 2017، من دون أن يرقى ذلك إلى حدود إبداء العزم على تدخّل جدي لحل الأزمة. إذ، وعلى الرغم من تشديد المسؤولين الأميركيين على ضرورة «الحد من الحرب الكلامية»، والعمل على «استعادة مجلس التعاون الخليجي تماسكه»، إلا أن هذا الحديث بقي ضمن أطر عامة بعيدة عن اقتراح سبل مباشرة لمعالجة الخلاف، بالتوازي مع توقيع مجموعة اتفاقيات بين واشنطن وبين الدوحة، ما يوحي بأن المطلوب حالياً تحصين قطر مرحلياً بوجه تهديدات جيرانها، حتى إشعار آخر.
وجاء توقيع تلك الاتفاقيات خلال مؤتمر «الحوار الاستراتيجي الأميركي - القطري» الذي انعقد أمس في مقر وزارة الخارجية الأميركية، كتدشين لحدث بات سنوياً، ومن المقرر أن تستضيفه الدوحة العام المقبل. وتشمل الاتفاقيات التي تم توقيعها وثيقة للتعاون الأمني تنص على «تعميق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين في مجالي الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب، وحماية قطر من أي تهديد خارجي يتهدد أراضيها»، وأخرى لـ«ترسيخ الحوار الاستراتيجي بين البلدين»، وثالثة لـ«مكافحة الإتجار بالبشر».
وقال وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، في تصريحات خلال المؤتمر، إن «قطر شريك قوي وبلد صديق للولايات المتحدة منذ زمن»، آملاً أن «تعزز مباحثات اليوم علاقاتنا الاستراتيجية». وأشاد بدور قطر في مجال «مكافحة الإرهاب»، معتبراً أنها «أحرزت تقدماً كبيراً على هذا الصعيد». وأعرب عن قلق بلاده إزاء الأزمة الخليجية المستمرة منذ ثمانية أشهر، منبّهاً إلى أن لهذه الأزمة «عواقب اقتصادية وسلبية على الجميع، بما في ذلك الولايات المتحدة»، مشدداً على ضرورة «الحد من الحرب الكلامية، والتحلي بضبط النفس، لتجنب المزيد من التصعيد، والعمل من أجل التوصل إلى حل للخلاف». وذكّر بأن «مجلس تعاون خليجياً موحداً من شأنه أن يساعدنا على العديد من الجبهات، وعلى رأسها مكافحة الإرهاب».
وفي الاتجاه نفسه، رأى وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، أن «وحدة مجلس التعاون الخليجي تعزز فاعليتنا على الكثير من الجبهات، خاصة بشأن مكافحة الإرهاب، وهزيمة داعش، ومواجهة تمدد النفوذ الإيراني الخبيث»، مستنتجاً أن «على مجلس التعاون الخليجي أن يستعيد تماسكه»، وأن «تعود دول الخليج إلى الدعم المتبادل، من خلال حل سلمي يسهم في زيارة استقرار المنطقة ورخائها».
على المقلب القطري، أكد وزير الدفاع، خالد بن محمد العطية، أن بلاده «لن تتردد في الدفاع عن سيادتها»، جازماً كذلك أنها «لن تسمح لأحد بالتلاعب بأسعار النفط والغاز». وأشار إلى أن العلاقات القطرية - الأميركية «أوسع من التعاون الأمني»، مضيفاً أن «قاعدة العديد في قلب جهود مكافحة الإرهاب». وقال «(إننا) هنا لتوسيع الفرص أمام القطريين والأميركيين... ونتطلع لمستقبل التعاون بين بلدينا». بدوره، لفت وزير الخارجية، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إلى «(أننا) في قطر تجاوزنا الأزمة والحصار»، مستشهداً بـ«تنوع العلاقات الثنائية، والنمو الأعلى من الاقتصادات الأخرى في الخليج»، مستدركاً بأن «الحصار غير القانوني وغير المبرر يتناقض مع الجهود المشتركة لإرساء الاستقرار في المنطقة».
ويأتي توقيع ثلاث اتفاقيات جديدة بين الولايات المتحدة وبين قطر بعدما توصل البلدان إلى اتفاق تلتزم السلطات القطرية بموجبه برفع مستوى «الشفافية» بشأن أنشطتها الجوية، إثر توجيه اتهامات إلى خطوطها بتلقي مساعدات حكومية من خلف الكواليس. وبحسب نص الاتفاق الذي نشرته وكالة «أسوشيتد برس»، فستلتزم الخطوط الجوية القطرية في غضون عام بإصدار بيانات مالية مدققة «وفقاً للمعايير المحاسبية المعترف بها دولياً». كما ستلتزم الشركة، في غضون عامين، بالافصاح عن أي معاملات مع كيانات أخرى مملوكة للدولة، ووقف أي «دعم مستتر» يمكن أن يُستخدم لإخفاء الإعانات غير المشروعة. وينص الاتفاق، كذلك، على التزام شركات الطيران التي تحمل العلم القطري بعدم نقل رحلات جوية إلى الولايات المتحدة من أوروبا أو من أي منطقة أخرى غير قطرية، بما من شأنه زيادة المنافسة أمام شركات الطيران الأميركية. ويرى محللو طيران أميركيون أن قطر ربما تحاول استغلال الاتفاق لتظهير نفسها أكثر تجاوباً مع المنظمين الأميركيين من دولة الإمارات، التي تُتهم شركاتها أيضاً بتلقي إعانات غير رسمية، إلا أنها لم تبرم إلى الآن اتفاقاً مع الولايات المتحدة بهذا الشأن.
(الأخبار)