بدخولها الحرب على تنظيم «الدولة الاسلامية» داخل الأراضي السورية، تفتح تركيا فصلاً جديداً في تاريخها، ينطوي على تعقيدات كبرى، لن يكون الداخل التركي في منأى عنها. ولا نبالغ إذا قلنا إن «الهمّ» الداخلي يطغى على أهداف الحملة العسكرية في حسابات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وفريقه في أنقرة. حملات اعتقال واسعة تقوم بها أجهزة الأمن التركية، أعقبت الهجوم الانتحاري في منطقة سروج الحدودية الاثنين الماضي، تستهدف أشخاصاً يشتبه في صلاتهم بتنظيم «داعش»، بالتوازي مع إلقاء القبض على مواطنين يساريين أو أكراد يشتبه في علاقتهم بحزب «العمال الكردستاني».
«هستيريا» أمنية، إن جاز التعبير، تشهدها المدن التركية، لا سيما الحدودية منها وإسطنبول، حيث أوقف قرابة ثلاثمئة شخص، وذلك بعد اشتباك الجيش مع «داعش» على الحدود مع سوريا أول من أمس، من جهة، وبعد إعلان «العمال الكردستاني» مسؤوليته عن عدد من الهجمات، منها ضد قوات الشرطة في جنوب شرق البلاد.
وفيما تبرّر أنقرة الحملة الأمنية بأنها ضد «جميع المنظمات الارهابية»، وفقاً لتصريحات أردوغان الأخيرة، يبدو أن البلاد مقبلة على مرحلة ستكون القبضة الأمنية فيها أشدّ من كل الفترات السابقة التي اتُّهمت فيها أنقرة بتطبيق سياسات الدولة البوليسية.
دعا دميرتاش الأكراد إلى «حماية أنفسهم بأنفسهم من الآن فصاعداً»

من جهةٍ أخرى، يمكن القول إن هذا الأسبوع شهد إعلانٌ رسمي لموت «عملية السلام» بين الحكومة والأكراد. حيث تخللت الأيام القليلة الماضية عودة لعمليات حزب «العمال الكردستاني» ضد أجهزة الدولة، آخرها تبنّي إحدى أذرع الحزب قتل شرطيين في ولاية شانلي أورفة «لارتباطهما بتنظيم داعش»، ثم جاء تهديد أردوغان يوم أمس، حين أكد أنه في حال لم يلقِ «الكردستاني» سلاحه فـ«سيواجه عواقب»، بمثابة تأكيد على انهيار العملية الهشة أصلاً.
وأكد أردوغان أمس أن الدولة التركية والقوات الأمنية «عازمة على اتخاذ كل الخطوات اللازمة ضد جميع المنظمات الإرهابية، سواء كانت عائدة لتنظيم داعش أو لـ بي كا كا أو حزب الجبهة الشعبية الثورية، أو أي منظمة إرهابية أخرى». جاء ذلك عقب أدائه صلاة الجمعة في جامع فاتح أورماني في إسطنبول، حيث أوضح أردوغان أن بلاده «تخوض الآن مواجهة مختلفة، وستبذل كل ما في وسعها، وعلى مواطنيها أن يثقوا بدولتهم».
ويعوّل أردوغان وفريقه على التطورات الخطيرة التي تواجهها تركيا، لإعادة الشعبية التي فقدوها في الآونة الأخيرة، في ظلّ الانتقادات التي تركزت على السياسة الخارجية لأنقرة. وجاءت التطورات الأمنية الأخيرة في وقتٍ كانت فيه تركيا مشغولة بمشاورات تشكيل حكومة ائتلافية، بعد الانتخابات البرلمانية التي خسر فيها «العدالة والتنمية» الغالبية للمرة الاولى منذ 13 سنة. وفيما تنامى حديث أردوغان عن نية التوجه إلى انتخابات مبكرة، في حال فشل تشكيل حكومة ائتلافية، يُنظر إلى دخول أنقرة في الحرب على «داعش» ومكافحته في الداخل أيضاً، على أنه «إنجاز» سيعيد لأردوغان «مجده الضائع».
من جهته، أكد رئيس الحكومة المنتهية ولايته، أحمد داوود أوغلو، أن العمليات الأمنية ضد تنظيم «داعش» والمتشددين اليساريين والأكراد، «ليست عملية منفردة، لكنها تأتي في إطار حملة شاملة وستستمر». وقال داوود أوغلو في مؤتمر صحافي إن 297 شخصاً، بينهم 37 أجنبياً، اعتقلوا خلال المداهمات التي نفذت في أنحاء مختلفة من البلاد.
كذلك استخدم بدوره لغة التهديد قائلاً إن أدنى تحرك يمثل خطراً على تركيا، سيؤدي إلى «أقسى ردود الفعل».
وكان زعيم حزب «الشعوب الديموقراطي»، صلاح الدين دميرتاش، قد دعا الأكراد في المناطق الحدودية، أول من أمس، إلى «حماية أنفسهم بأنفسهم من الآن فصاعداً»، و«باتخاذ تدابير أمنية عاجلة».
وبعد أربعة أيام من الهجوم الانتحاري في سروج، الذي نسبته الحكومة إلى «داعش»، أطلقت شرطة «مكافحة الارهاب»، فجر أمس، في إسطنبول، عملية مداهمات واسعة لتوقيف ناشطين مفترضين من تنظيم «الدولة الاسلامية» ومن «العمال الكردستاني». وبمشاركة قرابة خمسة آلاف عنصر بدعمٍ من المروحيات، دهمت 140 منزلاً في 26 حياً في إسطنبول، حيث اعتقلت المدعو خالص بايانجوك المعروف باسم «أبو حنظلة»، الذي تقول الحكومة إنه أحد قادة «داعش» في تركيا. كذلك ألقت قوات الأمن القبض على 35 شخصاً يشتبه في انتمائهم إلى منظمة «بي كا كا» في ولاية شانلي أورفة التي تضم منطقة سروج.
وأثناء حملة المداهمات في إسطنبول يوم أمس، قتلت قوات الأمن أحد أعضاء «جبهة حزب التحرير الشعبي الثوري» اليساري.
(الأخبار، أ ف ب، الأناضول، رويترز)