لليوم الثاني على التوالي بعد موجة احتجاجات شهدتها إيران منذ الخميس الماضي وحتى ليل الاثنين - الثلاثاء، خيّم الهدوء على معظم المدن الإيرانية، باستثناء تجمعات هزيلة انتشرت صورها على مواقع التواصل الاجتماعي ولم يتسنّ التأكد من صحتها. وفيما أعلن الحرس الثوري الإيراني «انتهاء الفتنة» بإلقاء القبض على «عدد كبير من مثيري الاضطرابات»، واصل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تعليقاته التحريضية على الأحداث الجارية في «الجمهورية الإسلامية»، رافعاً سقف تهديداته للقيادة الإيرانية، إثر تلويح مندوبته باللجوء إلى مجلس الأمن.
تلويحٌ بدا لافتاً أنه لم يثر أكثر من السخرية على المقلب الروسي، فيما أعلى الجانب التركي صوته «التضامني» مع إيران، مؤكداً رفضه أي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية لهذا البلد. بالتوازي مع ذلك، شهدت عدة مدن إيرانية تظاهرات ضخمة مؤيدة للنظام ورافضة لـ«الفتنة»، في ما بدا ترجمة لقول الرئيس حسن روحاني، الاثنين، إن «الإيرانيين سينزلون إلى الشوارع لحماية النظام الإسلامي ودعمه، وللرد على مثيري الشغب إذا لزم الأمر»، في وقت تجلت فيه أولى الاستجابات لدعوته إلى التعاون في إبداء الحرس الثوري استعداده لـ«مساعدة الحكومة في التغلب على التحديات الاقتصادية».

زاخاروفا رداً على
هيلي: يمكن أن تشرح
كيف قامت بلادها باعتقالات جماعية

وخرج عشرات الآلاف في الأحواز وأراك وإيلام وكرمنشاه وغرغان ومدن أخرى، لتأكيد دعمهم للقيادة الإيرانية، وإعلان رفضهم لـ«التدخل الخارجي». ورفع المتظاهرون لافتات تدين «مثيري الشغب»، ورددوا شعارات التأييد للمرشد علي خامنئي، و«الموت لأميركا»، و«الموت لإسرائيل»، و«الموت للمنافقين»، في إشارة إلى جماعة «مجاهدي خلق» المتهمة بـ«التحريض على العنف». ولم تخرج في المقابل تظاهرات تُذكر مناوئةٌ للحكومة، باستثناء تجمعات صغيرة ومتفرقة لم تَثبت صحة الأشرطة المصورة المتداولة بشأنها.
هدوءٌ أرسل المزيد من الإشارات إلى دخول الاحتجاجات مرحلة ضمور، في وقت أعلن فيه قائد الحرس الثوري، محمد علي جعفري، «انتهاء الفتنة»، مؤكداً أن «استعداد إيران الأمني هزم الأعداء مرة أخرى؛ لأننا لو كنا نعيش ظروف مصر و تونس وليبيا لكانت الخسائر لا تعوض». وأشار جعفري، في تصريحات نشرها الموقع الإلكتروني لـ«الحرس»، إلى أنه «في الفتنة هذه، لم يتجاوز عدد الذين تجمعوا في مكان واحد 1500 شخص، ولم يتجاوز عدد مثيري الاضطرابات 15 ألف شخص في كل أنحاء البلاد». ولفت إلى أن «آلافاً من هؤلاء يقيمون في الخارج، وتدربوا على أيدي الولايات المتحدة»، متابعاً أن «أنصار عودة حكم الشاه في الداخل، ومؤيدي منظمة خلق متورطون أيضاً». وقال إن «أعداء الثورة تدخلوا بشكل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي». «تدخلٌ» أكدت طهران، أمس، أنها لن توقف عملية تقييد أدواته إلا بعد «زوال الخطر». وقال وزير الاتصالات، محمد جواد آذري جهرمي، إن بلاده لن ترفع الحجب الذي فرضته على تطبيق «تلغرام» للرسائل النصية إلا إذا أُزيل المحتوى «الإرهابي» منه. وأوضح، في تصريحات تلفزيونية، أن «أجهزة السلطة ترحب بالنقد عبر وسائل التواصل الاجتماعي... لكن في المناخ الحالي، وتحديداً على (تلغرام) هناك دعاية من أجل العنف والأعمال الإرهابية».
على المقلب الخارجي، تابع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إطلاق تغريداته المُحرِّضة على تصعيد الاحتجاجات وأعمال العنف، في توجّهٍ بات يثير الكثير من الانتقادات حتى داخل الولايات المتحدة. وأعلى ترامب، أمس، من لهجته العدائية ضد طهران، مخاطباً المتظاهرين بأنكم «ستجدون دعماً كبيراً من الولايات المتحدة في الوقت المناسب»، في تهديد مبطن للقيادة الإيرانية، قبيل أسبوعَين من موعد مفترض لاتخاذ قرار بشأن استمرار استثناء صادرات النفط الإيراني من العقوبات الأميركية من عدمه. وتلقى تغريدات ترامب شبه اليومية بشأن إيران انتقادات من قِبل مسؤولين سابقين وحاليين يصفونها بـ«غير الحكيمة». ورأى مسؤول أميركي، رفض الكشف عن هويته، أنه «لا يمكن صياغة سياسة متماسكة رداً على الأحداث الجارية في إيران إلى أن يصبح لدى واشنطن فهم أفضل لطبيعة الفئات المحتجة، ومدى اتساع ما يحركها من الشكاوى الاقتصادية والسياسية، والتهديد الذي تمثله على الحكومة»، فيما رأى المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية، جون برينان، أن «الوعيد ليس باستراتيجية أو آلية لممارسة السلطة والنفوذ الأميركيين». ويحذر خبراء أميركيون، بدورهم، في هذا الإطار، من أن إحياء العقوبات على سلعة التصدير الرئيسية لدى إيران (النفط)، بالتزامن مع التطورات الأخيرة في «الجمهورية الإسلامية»، سيتيح للأخيرة تثبيت رؤيتها بأن الولايات المتحدة هي التي تقف خلف مشاكلها الاقتصادية. وكانت المتحدثة باسم البيت الأبيض، سارة ساندرز، قد أجابت، الثلاثاء، سؤالاً بشأن ما إذا كانت الاحتجاجات قد غيّرت حسابات ترامب على ذلك الصعيد بقولها: «ليس بالضرورة».
وترافق انبعاث حديث العقوبات مع دعوة المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بشأن الأوضاع في إيران. دعوة أثارت سخرية المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، التي كتبت على حسابها في «فيسبوك»، أنه «ليس هناك شك في أن الوفد الأميركي لديه شيء ما يقوله للعالم. على سبيل المثال، يمكن نيكي هيلي تبادل الخبرات الأميركية حول قمع أعمال الاحتجاج وتفريقها، وأن تشرح بالتفصيل كيف قمعت بلادها مثلاً حركة (احتلوا وول ستريت)، وكيف قامت باعتقالات جماعية للمشاركين فيها، أو كيف نفذت عملية تطهير (فيرغسون)».
إقليمياً، برز، أمس، الموقف التركي الذي أعلى من مستوى التأييد للقيادة الإيرانية في مواجهة الاضطرابات، بعدما اقتصر الثلاثاء على إبداء القلق والدعوة إلى تفادي العنف ورفض أي تدخل أجنبي. وأيد الرئيس، رجب طيب أردوغان، تعامل الحكومة الإيرانية مع الاحتجاجات، واصفاً إياه بأنه كان «ملائماً»، لافتاً، خلال اتصال هاتفي مع نظيره الإيراني، إلى أن «استقرار إيران مهم لتركيا». من جهته، وفي انتقاد صريح للتعامل الأميركي - الإسرائيلي مع التطورات، أشار وزير الخارجية، مولود تشاووش أوغلو، إلى أن «هناك اثنين يؤيدان المظاهرات في إيران، هما (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو و(الرئيس الأميركي دونالد) ترامب»، مشدداً على أنه «إذا كانت القيادة ستتغير في إيران فإن الشعب الإيراني هو الذي سيقوم بهذا».
(الأخبار)