على الرغم من عودة الهدوء أمس إلى معظم المدن الإيرانية، واصلت الولايات المتحدة محاولاتها للاستثمار في التحركات الاحتجاجية التي شهدتها البلاد خلال الأيام الخمسة الماضية، وبلغ بها الأمر حد التلويح بعقوبات جديدة ضد طهران، في مسعى لتضييق الخناق على حكومة الرئيس حسن روحاني التي تواجه مشكلات اقتصادية تثير حنق الشارع. وبعد سلسلة تغريدات تحريضية للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، اعتبرتها إيران «إهانة لشعب تمتد حضارته لآلاف السنين»، أطلت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، صاحبة مسرحية «صاروخ الرياض» الشهيرة، لتدعو إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بشأن الأوضاع في إيران، واصفة الاحتجاجات بأنها «عفوية تماماً».
تصريحات أعقبها صدور بيان عن البيت الأبيض هدّد بأن «جميع الخيارات مطروحة بشأن العقوبات على طهران»، مطالباً إيران بـ«احترام حقوق الإنسان والتوقف عن دعم الإرهاب». وكان ترامب قد اعتبر، في وقت سابق من يوم الثلاثاء، في سابع تغريدة له منذ اندلاع الاحتجاجات في إيران، أن «الشعب الإيراني تحرك أخيراً ضد النظام الإيراني الوحشي والفاسد»، مضيفاً أن «الأموال التي منحها الرئيس السابق باراك أوباما لإيران بحماقة كبيرة قد ذهبت للإرهاب ولجيوب النظام، أما الشعب الإيراني فلديه القليل من الطعام ويعيش في ظل تضخم اقتصادي كبير، دون تمتع بحقوقه الإنسانية».

ماكرون: نرفض المنطق الذي يعتبر إيران من محور الشر


وردّت وزارة الخارجية الإيرانية على ترامب، عبر المتحدث باسمها، بهرام قاسمي، الذي دعا «الرئيس الأميركي إلى أن يتفرغ قليلاً للشؤون الداخلية لبلده... بدلاً من إتلاف وقته في إرسال التغريدات عديمة الفائدة والمهينة حول سائر الشعوب والبلدان». ولم يتوقف الرئيس الأميركي، تقريباً، عن التغريد بشأن إيران، منذ 5 أيام، قائلاً إن «الوقت قد حان من أجل التغيير في إيران»، وإن «إيران فشلت على كل المستويات»، ما دفع الرئيس الإيراني إلى ردّ «لاذع» نبّه فيه إلى أن «هذا الرجل في أميركا الذي يريد اليوم التعاطف مع شعبنا نسي أنه وصف قبل بضعة أشهر الأمة الإيرانية بأنها إرهابية»، مضيفاً أن «هذا الرجل الذي يقف بكليته ضد الأمة الإيرانية لا يحق له أن يشفق على شعب إيران».
وعلى الرغم من حماسة البيت الأبيض لاستغلال اللحظة الإيرانية الراهنة لتصعيد اللهجة العدائية التي تعالت منذ أشهر ضد طهران، إلا أن توجهه هذا، شأنه شأن ملفات أخرى، لا يلقى إجماعاً داخل الولايات المتحدة. إذ يعتقد مسؤولون أميركيون أن تغريدات ترامب تصبّ في مصلحة الحكومة الإيرانية، وتتيح لها اتهام أعداء إيران بإثارة الاضطرابات. ويعتقد مسؤولون استخباريون أن المحتجين «ليست لديهم فرصة تُذكر لإسقاط الحكومة». وعلى المستوى الخارجي، لا يُقابَل التحريض «الترامبي» ضد إيران بمسايرة أو قبول من قِبل الدول الأعضاء في مجلس الأمن والدول الأوروبية، التي جاءت تعليقاتها على الأحداث الأخيرة «عقلانية» إلى حد ما.
ووصفت روسيا ما يجري في إيران بأنه «شأن داخلي»، آملة «ألا تتطور الأوضاع وفقاً لسيناريو العنف وسفك الدماء»، رافضة «أي تدخل خارجي من شأنه زعزعة الوضع»، فيما أكدت فرنسا أنها «ملتزمة تطبيق الاتفاق النووي، باعتبار أنه يخدم مصالح الأمن العالمي». وأشار الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في اتصال هاتفي مع نظيره الإيراني، إلى «(أننا) نرفض المنطق الذي يعتبر إيران من محور الشر، ونعتبر أن ذلك يزيد من التوتر في المنطقة»، متابعاً: «(إننا) لا ننكر دور فيلق القدس في القضاء على داعش ونقدر ذلك». ولفت إلى أن «بلاده لا تدعم أي جماعة إرهابية، ولن تسمح بأن تكون منطلقاً لأي إجراء ضد دولة أخرى»، وذلك رداً على دعوة روحاني إياه إلى «التحرك ضد الجماعات الإرهابية الموجودة في فرنسا»، في إشارة إلى «المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية» الذي تمثّل جماعة «مجاهدو خلق» عموده الفقري. وذكّر روحاني بأن «الوجود الإيراني في العراق وسوريا كان بطلب رسمي من حكومتَي البلدين ومن أجل مكافحة الإرهاب».
أما إسرائيل فقد بدت غبطتها واضحة بما شهدته إيران، حيث تمنى رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو، «للشعب الإيراني النجاح في سعيه النبيل نحو الحرية»، فيما رأى وزير الأمن فيها، أفيغدور ليبرمان، أن «منفعة إسرائيل تكمن في لفت أنظار العالم إلى ما يجري في إيران لا في غزة».
(الأخبار)