باتت النمسا البلد الأوروبي الغربي الوحيد الذي يشارك فيه اليمين المتطرف في الحكم، بعد موافقة رئيس الجمهورية، ألكسندر فان جير بيللين، على الائتلاف الحكومي الجديد بقيادة المستشار سيباستيان كورتز (31 عاماً) المحافظ الذي أطلق التحالف بين «حزب الشعب» (يمين) و«حزب الحرية» (يمين متطرف) في البلاد. يأتي ذلك بعدما انهار التحالف بين «الحزب الديموقراطي» بقيادة المستشار السابق كريستيان كيرن و«حزب الشعب» في أيار الماضي، نتج منه إجراء انتخابات مبكرة فاز فيها المحافظون من دون أن يحققوا أغلبيةً مطلقةً.

ورغم حصول اليمين المتطرف على صلاحياتٍ لم يسبق أن حازها بعدما حلَّ ثالثاً في الانتخابات التشريعية المبكرة في 15 تشرين الأول، إلّا أنّ القضايا الأكثر أهميةً، مثل السياسة الأوروبية بقيت بيد المحافظين. ويحتفظ كورتز بالكلمة الفصل في الملفات الأوروبية، فيما تستعد النمسا لترؤس الاتحاد الأوروبي في النصف الثاني من 2018. وقال كورتز خلال عرضه في فيينا الاتفاق الحكومي الذي أقرّ، مساء الأول من أمس، إن الغالبية الجديدة «لديها التزام أوروبي واضح هدفه تعزيز السلطات» داخل الاتحاد. وعبّر عن أمله «بتعاون أوروبي أكبر في مجالات يبدو فيها الأمر مبرراً مثل الدفاع عن الحدود»، ولكن مع تأكيده في الوقت نفسه أنه «ينبغي منح الدول مزيداً من السلطات في كل مرة يبدو ذلك ممكناً».

يتوّج «التحالف» في
النمسا عاماً حافلاً لليمين المتطرف في أوروبا


ويتسلم كورتز رسمياً منصبه في حفلٍ اليوم، ليصبح بذلك أصغر قادةِ العالم، فيما سيتولى رئيس «حزب الحرية»، هاينز كريسيتيان شتراخه، منصب نائب المستشار. وأوضح شتراخه أنه بناءً على طلب كورتز، «شُطبَت قضية الخروج من الاتحاد الأوروبي» من البنود التي يمكن إخضاعها لاستفتاءات شعبية، وهو أمر يحبّذه اليمين المتطرف. وقامت حملة شتراخه أساساً على التشديد على خطر «اجتياح جماعي» و«حربٍ أهلية» إذا لم يجرِ احتواء الهجرة، ورأى كذلك أن «لا مكان للإسلام في النمسا». ويفضّل شتراخه الذي هندس تحالفاً بين «حزب الحرية» و«حزب روسيا الموحدة» بزعامة الرئيس فلاديمير بوتين، التقارب بين النمسا ومجموعة «فيشيغراد» التي تضمّ دولاً تشكّك في أوروبا علناً مثل بولندا والمجر. ويتولى اليمين المتطرف كذلك وزاراتٍ أساسية في الحكومة، على الرغم من تجربته المضطربة في الحكم في العقد الأول من الألفية. وحصل «حزب الحرية» على ثلاث وزاراتٍ سيادية هي الدفاع والخارجية والداخلية، فيما كان قد حرم على الدوام الحقيبتين الأخيرتين سابقاً.
على الصعيد الاجتماعي، تضمن برنامج الحكومة سلسلة تخفيضات ضريبية وإجراءات لمكافحة الهجرة غير الشرعية والحد من فوائد المساعدات الاجتماعية للأجانب. وعلّق كورتز على سياساته، قائلاً إن حكومته تريد «التخفيف من الضغط الضريبي... وتعزيز اقتصادنا، ما من شأنه تحسين نظامنا الاجتماعي»، ولكن «في المقام الأول، نريد تحسين الأمن في بلادنا، على أن يشمل ذلك التصدّي للهجرة غير الشرعية».
وكانت قضيتا الهجرة والإسلام قد هيمنتا على حملة كوترز البرلمانية في تشرين الأول الماضي، إذ تقاربت مواقف زعيم المحافظين الشاب الذي يتباهى بأنه أحد المهندسين الرئيسيين لإغلاق طريق البلقان بوجه المهاجرين عام 2016 عندما كان وزيراً للخارجية، بشكلٍ وثيقٍ من «حزب الحرية» في هذه المسألة.
وعرضت الحكومة الجديدة برنامجها في جبل كاهلنبرغ، وهو مكان له أهمية رمزية كبرى، إذ فيه بدأت عملية استعادة أوروبا الوسطى من القوات العثمانية عام 1683، واختيار هذا المكان له أهمية بالنسبة إلى اليمين المتطرف، مع العلم أن أبرز المنتقدين لخطابِ الحكومةِ النمساوية الجديدة كانت تركيا، إذ يعارض برنامج الحكومة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. ورأت وزارة الخارجية التركية في بيان أن «هذا الإعلان الذي لا أساس له والقصير النظر في برنامج الحكومة الجديدة يؤكد، للأسف، المخاوف من توجه سياسي قائم على التمييز والتهميش». وحذّرت من أن تحقيق هذا البرنامج، من شأنه أن يعرّض النمسا لخطر «خسارة صداقة تركيا». من جانبه، رأى وزير الشؤون الأوروبية التركي، عمر جيليك، أن الحكومة الجديدة في النمسا «بدأت التعرض للقيم الديموقراطية الأساسية». وانتقد أيضاً الاتحاد الأوروبي بسبب عدم إدانته برنامج الحكومة في النمسا.
من جهة ثانية، يتوّج التحالف بين حزب كروتز وحزب شتراخه عاماً حافلاً لليمين المتطرف في أوروبا مع صعود ملحوظ له في كلّ من هولندا وفرنسا وألمانيا، ولكن من دون أن يتمكّن من تولّي الحكم. ورحّب قادة أحزاب يمينية متطرّفة أوروبية، بينهم الفرنسية مارين لوبن والهولندي غيرت فيلدرز، أول من أمس، خلال مؤتمر في براغ، بما وصفوه بأنه «حدث تاريخي» في النمسا. وقال فيلدرز، زعيم «حزب الحرية» الهولندي، أمام الصحافيين إنه «يجب الترحيب بأنه مرّة أخرى في النمسا اليوم، أخذ حزب عضو في كتلتنا في البرلمان الأوروبي على محمل الجد، إلى حدّ أنه نال فرصته في الانضمام إلى الحكومة». من جهتها، رحّبت لوبن بما اعتبرته «حدث تاريخي فعلياً». ورأت أن «آخرون سيتبعون هذا النهج لأنه في عدد من الدول تتنظم المعارضة للاتحاد الأوروبي».
(الأخبار، أ ف ب)