نال الاتفاق النووي فعلياً، يوم أمس، أول اعترافين دوليين به عبر قرارين صدرا، في وقت متزامن، عن مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي. يشكل القراران أول تحرّك باتجاه رفع العقوبات الاقتصادية الأوروبية والأممية ضد طهران، على أن يكون قرار مجلس الأمن إشارة البدء بتنفيذ الاتفاق. لكن تطبيق الاتفاق لا يزال ينتظره مسار شاق، بالتوازي مع نقاش محتدم على مستوى الكونغرس الأميركي، وأيضاً في الداخل الإيراني.
فقد اعتبر قائد الحرس الثوري، اللواء محمد علي جعفري، أن لا قيمة لأي قرار يقضي بوضع قيود على القدرات التسليحية في إيران، فيما أكدت وزارة الخارجية أن «إيران العسكرية»، بما في ذلك الصواريخ البالستية، هي خارج إطار قرار مجلس الأمن، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن إعادة فرض العقوبات يعني عدم التزام الأطراف الأخرى، وهذا «يجعل إيران في حلّ من تعهداتها». ووفق النص الذي أصدره مجلس الأمن بالإجماع، وصدّق به على الاتفاق النووي، فإنه عند تلقيه تقريراً من الوكالة الدولية للطاقة الذرية يؤكد التثبت من أن البرنامج النووي الإيراني بات سلمياً بالكامل، «يتم إلغاء» القرارات السبعة التي اتخذتها الأمم المتحدة، منذ عام 2006. ويكلّف مجلس الأمن الوكالة الدولية للطاقة الذرية «القيام بعمليات التحقق والمراقبة الضرورية للالتزامات النووية التي اتخذتها إيران»، مثل الحد من عدد أجهزة الطرد المركزي أو خفض مخزونها من المواد الانشطارية.
أكد وزير الدفاع الإيراني
أن بلاده ستواصل تصميم برنامجها البالستي

وتقضي هذه القرارات بحظر بيع إيران معدات أو خدمات على ارتباط بالأنشطة النووية وتجميد أموال شخصيات وشركات إيرانية وفرض حظر على الأسلحة التقليدية والصواريخ البالستية. أما إجراءا الحظر، فسيبقيان ساريين لمدة خمس سنوات، بالنسبة إلى المعدات والخدمات المرتبطة بالأنشطة النووية، ولمدة ثماني سنوات بالنسبة إلى الأسلحة والصواريخ. وبعد عشر سنوات عند انتهاء مدة اتفاق فيينا تغلق الأمم المتحدة ملف إيران.
لكن هذا الإجراء هو محط انتقاد في الداخل الإيراني، وظهرت أولى بوادر الانتقاد على لسان اللواء جعفري، الذي رفض أي قرار يقضي بوضع قيود على القدرات التسليحية لإيران، معتبراً أن «لا قيمة له أبداً». جعفري أوضح في تصريح لوكالة «تسنيم»، قبل التصديق على القرار، أن «أي قرار يتعارض مع الخطوط الحمر لإيران، يفتقر إلى الصدقية»، معرباً عن أمله في أن «لا يهدر مجلس الأمن وقته للتصديق على مثل هذه القرارات». ولكنه أكد في الوقت نفسه أنه «لا يوجد أي مسؤول في إيران يعارض التفاوض للتوصل إلى اتفاق جيّد»، منتقداً «ما زعمته بعض وسائل الإعلام الأجنبية التي تريد الإيقاع بين أبناء الشعب الإيراني».
ورداً على التهديدات الأميركية بالإبقاء على الخيار العسكري ضد إيران، قال جعفري، إن «الأميركيين وكلبهم المسعور كيان الاحتلال، يطلقون التخرصات، في حين أن حزب الله في لبنان والمقاومة الفلسطينية اللذين يعتبران جزءاً من القوة العظيمة لدى إيران، مرّغا أنوفهم في التراب أكثر من مرة»، مضيفاً أنه يجب أن «لا يصدق أحد تهديداتهم والمزاعم التي تبعث على السخرية لأنها تثبت عجز وضعف أميركا والصهاينة أكثر من أي وقت مضى».
من جهة أخرى، أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية، في بيان، أن إيران ستطبق التزاماتها في إطار الاتفاق النووي، لكنها أكدت أن قرار مجلس الأمن 2231، الذي صدّق، أمس، على هذا النص لا يشمل برنامجها البالستي. وأشارت الوزارة إلى أن «إعادة فرض العقوبات تعني عدم التزام الأطراف الأخرى، وهذا يجعل إيران في حل من تعهداتها». وشدد البيان على أن طهران متأكدة أن مراكزها العسكرية لن تكون خاضعة للتفتيش، موضحاً أن «القدرات العسكرية، خصوصاً صواريخ إيران البالستية لها هدف وحيد دفاعي، وبما أن هذه التجهيزات لم تعد لنقل أسلحة نووية، فهي خارج حقل أو اختصاص قرار مجلس الأمن».
وكان وزير الدفاع الإيراني، الجنرال حسن دهقان، قد أكد أمس، أن بلاده «ستواصل بتصميم برنامجها» البالستي، كما ذكر الموقع الإلكتروني لوزارته، وذلك في وقت وصف فيه كبير المفاوضين الإيرانيين عباس عراقجي، قرار مجلس الأمن بأنه «إنجاز غير مسبوق في تاريخ إيران». وقال في مقابلة مع الإذاعة الإيرانية، إن «قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الجديد سيحظر فقط الصواريخ المصمّمة لحمل رأس حربي نووي (و) إيران لا تملك برنامج صواريخ نووية».
وأضاف عراقجي أن هذا القرار «لن يكون تحت طائلة الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة ولا يعتبر إيران تهديداً، وهذا يعد تطوراً بحدّ ذاته». وأشار إلى أن هذا هو أول وآخر قرار يصدر عن مجلس الأمن حول إيران، إلا إذا حدث انتهاك صارخ. وإذ لفت عراقجي إلى أن من الخصائص الأخری لهذا القرار هو انهيار نظام العقوبات ولجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة، فإنه أوضح أن هذا القرار سيقلّص القيود المفروضة علی صادرات السلاح لإيران إلی خمس سنوات فقط.
في هذا الوقت، يُنتظر أن يطلع، اليوم، رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي، ووزير الخارجية محمد جواد ظريف، مجلس الشورى الإيراني على الاتفاق.
أميركياً، استخدم الرئيس باراك أوباما، القرار ليشدد على إظهار «انتصاره الدبلوماسي»، وقد اعتبر أن القرار هو «رسالة واضحة» مؤيدة للاتفاق. وقال إن اعتماد هذا القرار بالإجماع «سيوجه رسالة واضحة مفادها أن عدداً كبيراً جداً من الدول» يرى أن الدبلوماسية «هي بالتأكيد أفضل مقاربة للتأكد من أن إيران لن تتمكن من الاستحواذ على السلاح الذري»، مضيفاً أن «هناك توافقاً دولياً واسعاً حول هذه المسألة»، و«أفترض أن الكونغرس الأميركي سيأخذ بالاعتبار هذا الرأي العام الواسع».
من جهتها، صرحت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة سامنتا باور، بأن القرار «لن يغيّر قلقنا العميق بشأن انتهاكات حقوق الإنسان التي تمارسها الحكومة الإيرانية أو بشأن عدم الاستقرار الذي تذكيه إيران... من دعمها لحلفاء إرهابيين إلى تهديدها لإسرائيل وأنشطتها الأخرى المزعزعة للاستقرار في المنطقة». لكن السفير الإيراني في الأمم المتحدة، غلام علي خوشرو، رفض الاتهامات الأميركية ووصفها بأنها بلا أساس. وقال خوشرو خلال اجتماع المجلس، إن «البلد الذي غزا دولتين في منطقتنا وخلق أرضية لينمو الإرهاب والتطرف ليس جديراً بتوجيه مثل هذه الاتهامات لبلادي».
في غضون ذلك، وافق الاتحاد الأوروبي على الاتفاق النووي، وهو يأمل بذلك أن يرسل مؤشراً يتبعه الكونغرس الأميركي. وفي رسالة تستهدف، بصورة رئيسية، الأصوات المتشككة في الكونغرس والمعارضة القوية من قبل، شدّد اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، على أنه لا يوجد حلّ أفضل آخر مُتاح.
وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس: «إنه اتفاق متوازن يعني أن إيران لن تحصل على قنبلة نووية. إنه اتفاق سياسي كبير». وترك الوزراء تفاصيل موافقتهم إلى ما بعد تصويت مجلس الأمن الدولي بعد ظهر أمس، لكنهم التزموا رسمياً رفع العقوبات تدريجياً مع الولايات المتحدة والأمم المتحدة.
(الأخبار، رويترز، أ ف ب)