تزامناً مع نزاع بين «حزب العدالة والتنمية» و«حزب الشعب الجمهوري» المعارض بشأن اتهامات بفسادٍ يطال دائرة أردوغان الداخلية، يقع الرئيس التركي في واجهة اتهامات متعلّقة بـ«الالتفاف» على العقوبات الأميركية على إيران.
ووضع رجل الأعمال التركي – الإيراني، رضا زراب، بصفته شاهداً رئيسياً في محاكمة في نيويورك، الرئيس التركي تحت المجهر مباشرةً بقوله إن أردوغان كان على علم بعلاقاته مع «خلق بنك» الحكومي التركي لمساعدة طهران على «الالتفاف» على العقوبات الأميركية. وأضاف زراب الذي اعتقل في آذار 2016، أن ذلك كان يتمّ عبر خطط معقدة لتبييض العائدات الناجمة عن مبيعات النفط والغاز الإيرانية. وأكد أن أردوغان، الذي كان رئيساً للوزراء، أصدر في تشرين الأول 2012 «تعليمات» إلى مصرفين تركيين آخرين هما «زراعات» و«وقف» ليشاركا في هذه الخطة التي كان «خلق بنك» معبراً رئيسياً لتنفيذها.
وقال إن الرئيس التركي، عبر وزير الاقتصاد حينذاك ظافر جاجلايان، أبلغه بموافقته على أن يقوم «بهذا العمل» وأن «رئيس الوزراء حينذاك رجب طيب اردوغان ووزير الخزانة باباجان، أعطيا تعليماتهما ليبدآ ممارسة هذه التجارة... عرفت ذلك من ظافر جاجلايان».
وصرّح بأن جاجلايان ساعده على ترتيب الخطة مع «خلق بنك» بوساطة رشى تبلغ قيمتها 50 مليون يورو دفعت بين آذار 2012 وآذار 2013. كذلك، أوضح أنه لعب دوراً أساسياً في تنظيم هذه التجارة التي تبلغ قيمتها مليارات اليورو وبدأت في عام 2012 على أن تزدهر تدريجياً، إلى أن انفجرت «الفضيحة» في تركيا في نهاية عام 2013. وأكد زراب في شهادته أنه قام أولاً بتبييض عائدات محروقات إيرانية بيعت إلى تركيا ثم وسع «خلق بنك» برنامجه إلى المحروقات الإيرانية التي تباع إلى دول أخرى مثل الهند. وذكر إيطاليا أيضاً، من دون أن يذكر أي تفاصيل. وأضاف أنه حاول تطبيق هذا النظام في الصين، لكن المصارف الصينية التي استضافت الشركات الظاهرية اللازمة لإخفاء المصدر الإيراني للأموال «أوقفت كلّ شيء عندما تنبهت إلى مشاركة إيران».
وفيما تربك هذه المحاكمة تركيا وتجعلها مهددة بعقوبات قاسية ضد قطاعها المصرفي، أكد أردوغان أن تركيا لا مأخذ عليها في هذه القضية، فقد «فعلنا ما هو صحيح، لم ننتهك الحظر» و«لم نقطع وعداً من هذا النوع للولايات المتحدة». بدوره، وصف الناطق باسم الحكومة بكر بوزداك المحاكمة بـ«المسرحية»، مؤكداً أن تصريحات زراب تشكل «تشهيراً» قام به «تحت الضغط».
تزامناً مع ذلك، أصدر الادعاء العام التركي مذكرة توقيف بحق مسؤول وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في الشرق الأوسط، غراهام فولر، بتهمة دعمه لمنظّمة الداعية فتح الله غولن. وتتضمن مذكرة التوقيف بحقّ فولر، اتهامات مثل «محاولة تدمير الجمهورية التركية وعرقلة مهماتها والحصول على أسرار سرية للدولة والتجسس السياسي والعسكري ومحاولة تدمير النظام الدستوري في البلاد». وفولر معروف في تركيا لدعمه طلب الحصول على الإقامة في الولايات المتحدة للداعية غولن الذي يقيم في الولايات المتحدة منذ نهاية التسعينيات، ولم تستجب واشنطن حتى اليوم لطلبات أنقرة المتكررة لتسليمه.

المعركة مع «الشعب الجمهوري»

من جهة ثانية، قدّم «حزب الشعب الجمهوري» الوثائق التي يقول إنها تثبت تورّط مقربين من الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بتحويل أموال إلى شركة وهمية خارج الحدود، وذلك بعد عدّة أيّام من طرح الحزب للمسألة بشكلٍ علنيّ والتي اعتبرها «حزب العدالة والتنمية» مجرّد «ادّعاءات كاذبة». وأعلن المتحدّث باسم «حزب الشعب الجمهوري»، بولنت تزجان، الذي قدّم نسخاً عن الوثائق إلى وسائل الإعلام، أن الوثائق الأصليّة سيتمّ رفعها إلى النيابة العامة.

أطلق القضاء تحقيقاً بحقّ جميع أعضاء مجلس «حزب الشعب الجمهوري»
ويأتي ذلك بعد يوم من إطلاق المدعي العام في أنقرة تحقيقاً في الادعاءات التي تحدّث عنها «الشعب الجمهوري»، وهي أن مقربين من أردوغان، من بينهم ابنه وأخوه ومساعده التنفيذي، قاموا بتحويلات خارجية تصل قيمتها إلى 15 مليون دولار، لمصلحة شركة خارجية تدعى «بيل واي ليميتد» في جزيرة مان، التي تعدّ جنة ضريبية، وذلك بين كانون الأول 2011 وكانون الثاني 2012.
تحقيق مضادّ بحقّ الأعضاء الستين لمجلس «حزب الشعب الجمهوري» أطلقه مدّعون، أمس، بشأن اتهامات بـ«تحقير الموقع الرئاسي والأمة التركية والدولة ومؤسساتها»، وذلك بعد شكاوى وجهها أردوغان والحكومة التركية عام 2016 بحقّهم، أي منذ عامٍ تقريباً. ويسعى المدّعون إلى رفع الحصانة عن أعضاء المجلس الذين هم أعضاء في مجلس النواب لكي يتمكنوا من التحقيق بشأنهم، فيما بوشرت العملية بحقّ أعضاء مجلس «الشعب الجمهوري» الذين ليسوا نواباً. وقال النائب عن «الشعب الجمهوري»، إلهان جيهانر، لصحيفة «حرييت»، أول من أمس، إن ما يحصل هو «سابقة»، إذ هي المرة الأولى التي يخضع فيها «جميع أعضاء مجلس حزبٍ سياسيّ» لتحقيق قضائي. قام محامي أردوغان، حسين آيدن، بتقديم شكوى جنائية ضدّ جميع أعضاء «حزب الشعب الجمهوري» ومن بينهم رئيسه، كمال كيليتش دار أوغلو، في 8 تشرين الثاني 2016، والسبب هو «إهانة الرئيس». وجاءت الشكاوى بعدما قام مجلس «حزب الشعب الجمهوري» في 6 تشرين الثاني 2016، بإدانة الحملة الكبيرة التي قامت بها الحكومة بحقّ «حزب الشعوب الديموقراطي» وبحق صحافيين في صحيفة «جمهورييت» والتي اعتبرها الحزب تهديداً للديموقراطية.
ويمكن لادعاءات كيليتشدار أوغلو أن يكون لها تداعيات خطرة على حزبه وعلى الحكومة، وفق ما اعتبر طه أكيول في صحيفة «حرييت» التركية، إذ في حال تبيّن أنها خاطئة، فإن ذلك سيخسره سمعته. وإذا تبين أنها صحيحة، فإن ذلك سيعني خسارة الحكومة سمعتها. ومع مواجهة تركيا لمزيد من القضايا المتعلّقة بشبكات فسادٍ ورشى، منها قضية رضا زراب، فإنّ لكلّ ذلك ضرراً على سمعة تركيا الخارجية واقتصادها.

(الأخبار، أ ف ب)