يقسم إيمرسون منانغاغوا (75 عاماً)، اليوم، اليمين لتولي رئاسة زيمبابوي بعد روبرت موغابي، معلّمه، الذي حكم البلاد لمدة 37 عاماً، انتهت بالانقلاب عليه من قبل حزبه وجيشه، واستقالته نتيجة لذلك. ويورّث موغابي لصديقه الوفي السابق منانغاغوا بلداً منهكاً اقتصادياً ونسبة البطالة فيه 90 في المئة، إضافة إلى انقسامات داخل الحزب الحاكم «زانو بي أف» لا أفق ظهر بشأن حلها مؤخراً. إلا أن الأخطر من كلّ ذلك، هو أن منانغاغوا، الذي يعدّ من أقطاب النظام القديم، يرث شعباً لديه «توقعات كبيرة»، وفق توصيف صحيفة «نيوزداي» المعارِضة، شعباً لا يزال تحت نشوة الفرح والصدمة برحيل موغابي التاريخي.

وألقى منانغاغوا، أول من أمس، بعد ساعات من عودته من منفاه القصير في جنوب أفريقيا، خطابه الأول بصفته رئيساً جديداً، أمام مئات من أنصاره تجمعوا أمام مقرّ الحزب الحاكم. أسمع الرئيس الجديد مناصريه ما يريدون، بوعده لهم بإنعاش الاقتصاد وإيجاد فرص عمل، متحدثاً عن «بداية ديموقراطية جديدة». وعلّقت صحيفة «هيرالد» الرسمية، أمس، أن الرئيس الجديد «كان واضحاً جداً حول ما نحتاج إليه: العمل ثم العمل. ليس لدينا سوى شيء واحد لإضافته، يتعيّن استحداث فرص عمل حقيقية يدفع لها ما تستحقه».
من هنا، فإن المسؤولية كبيرة جداً على إيمرسون منانغاغوا، خلف موغابي، الذي عليه أن يكون على قدر توقعات شعبٍ يرى في تنحّي الزعيم القديم عن السلطة فرصة في تغيير كبير واقتصاد أفضل.

ما تغيّر هو الرئيس، أما أقطاب النظام القديم فباقون مكانهم

لكنه، وهو من أقطاب النظام الذي أسّسه موغابي، قد لا يشكّل الفرصة الأفضل للبلاد؛ فقد رأت صحيفة «فورين بوليسي»، في مقال أول من أمس، أنه في الواقع، فإن ما يتغيّر هو الرئيس فقط، أما أقطاب النظام القديم فباقون مكانهم، بكل ما يحملونه من فساد. بالتالي، فإن تولّي رجل النظام القديم ومهندس إحدى أعنف «ضربات» موغابي ضدّ معارضيه، في الثمانينيات، ومدير مخابراته أيضاً، يطرح نقاط استفهام بشأن التجديد الذي يستطيع أن يحضره إلى زيمبابوي.
لقب منانغاغوا الحربي هو «التمساح»، علّق عليه هو قبل عامين بالقول إن «التمساح لا يترك المياه ليذهب للبحث عن الطعام، بل ينتظر بصبر لتأتي فريسته إليه. ويضرب في الوقت المناسب». والضربة المناسبة بالنسبة إلى «تمساح» زيمبابوي قد حان وقتها، فكان إعفاؤه في 6 تشرين الثاني من مهماته بطلب من السيدة الأولى غرايس موغابي التي كانت تأمل خلافة زوجها، لحظته المناسبة للإعداد لـ«الانقلاب الناعم» على معلّمه.
قضى إيمرسون منانغاغوا السنوات الأولى من حياته السياسية كقائد مقاتل في حرب التحرير إلى جانب موغابي في الثمانينيات، بعدما تلقى تدريباً عسكرياً في مصر والصين. بقي منذ ذلك الحين إلى جانب موغابي، وفيّاً له، وتسلم في عهده وزارات أساسية عدة، إلا أن الدور الأكثر تأثيراً لعبه عندما تسلّم مركز مدير المخابرات المركزية في الثمانينيات. وبسبب تسلمه لهذا الدور، يتّهم منانغاغوا من قبل المعارضة في البلاد بأنه لعب دوراً في «التطهير» الدموي ضد المعارضة السياسية لموغابي. وقتل في تلك المرحلة حوالى 20 ألف شخص، معظمهم ينتمون إلى أقلية إنديبيلي الإثنية. كان اسم العملية «غوكوراهوندي» أو «المطر المبكر الذي يجرف القش قبل الربيع»، ولا يعترف موغابي أو حزبه بما أورده محققون بشأن تلك العملية. كلّ من موغابي و«التمساح» ينتميان إلى إثنية شونا الأكثر انتشاراً في البلاد، وينفيان كلياً أنهما قاما بعملية تطهير عرقي.
إلا أن تلك الحرب كانت قاسية جداً ودموية، كما يصفها رئيس تحرير صحيفة «زيمبابويان»، ويلف مبانغا، في مقال في «ذي غارديان» البريطانية: «حوّل منانغاغوا المخابرات في البلاد إلى فريق لارتكاب الجرائم البشعة يخشاه الجميع في البلاد». وتابع أن «منانغاغوا مثل سيده موغابي، متّهم على مرّ الأعوام بالتخطيط لعمليات العنف خلال الانتخابات، من خطف وقتل وابتزاز وسلب الموارد الوطنية».
في عام 2008، عندما خسر موغابي الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، اتهم منانغاغوا من قبل جمعيات أهلية في بلاده بتنسيق حملة «تخويف» ضد المعارضة أدت إلى قتل 200 شخص، من ضمنهم منافس موغابي. وفي عام 2014، عيّن منانغاغوا نائباً لموغابي، في أرفع منصب يتسلّمه، ويخوّله أن يكون الخلف التلقائي للرئيس.
كان توسّع الخلاف، في الأيام الماضية، بين مناصريه في حزب «زانو بي أف» وهم يتجمعون تحت فريق مدعوم من الجيش واسمه «لاكوست»، وبين فريق غرايس موغابي «الجيل 40» أو «جي 40»، لحظة «التمساح» المناسبة لإزاحة من يعرقل وصوله إلى السلطة. وخلف الأضواء، وبعد استبعاد منانغاغوا الذي بنى على مرّ السنين علاقات قوية مع كافة المؤسسات الأمنية في البلاد، عمل بصمت، إلى جانب الجنرالات، لإيقاف غرايس عند حدّها قبل أن تقطع رأس «الأفعى»، كما قالت سابقاً، في إشارة إليه. رويداً، أبعدوا جميع من يمكن أن يعادي منانغاغوا من الحزب الحاكم والحياة السياسية، ليتمكن الأخير من أن يأتي رئيساً متمتّعاً بالثبات والقوة، غير منتخب ولكن، ينتظر منه إيجاد حلول لقضايا عديدة.
(الأخبار)