مع تأخير المراجعة التفصيلية لمشروع قانون انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي في أيلول الماضي، استؤنفَت جلسات النقاش في البرلمان البريطاني لوضع القانون الذي يهدف إلى تحديد العلاقة بين بريطانيا والاتحاد، والذي يتيح للمؤسسات في المملكة المتحدة مواصلة أعمالها بنحو طبيعي بعد الانفصال التام. وكان مجلس العموم قد صدّق، في أيلول الماضي، على قراءة أولية لنص المشروع، ولكن شهدت مراجعته بنحو تفصيلي تأخيراً، بررته الحكومة على أنه بداعي الضرورة لأخذ الوقت الكافي لدراسة نحو 500 تعديل جرى التقدم بها.
وتواجه الحكومة البريطانية الحالية معارضة شديدة من قبل نواب حزب «العمّال»، إضافةً إلى مجموعة من «المحافظين» المعارضين لزعامة رئيسة الحكومة الحالية، تيريزا ماي، ما يزيد من إمكانية تعرّض الحكومة لضغوط شديدة في ما يتعلق ببعض التعديلات الأساسية إن وقف المعارضون «المحافظون» في صف «العمّال» (أكبر الأحزاب المعارضة).
وبحكم أنها لا تملك سوى غالبية صغيرة في البرلمان بفضل تحالفها مع «الحزب الوحدوي الإيرلندي الشمالي»، تواجه ماي صعوبات مستمرة في فرض سيطرتها في البرلمان، وحتى في حكومتها، حيث تواجه معارضة داخلية ورثتها عن زعيم «المحافظين» السابق، ديفيد كاميرون، وعززتها الخسارات التي شهدتها في الانتخابات التشريعية الماضية.

تواجه الحكومة
معارضة من «حزب العمّال» وعدد من «المحافظين»


وتتضمن المعارضة الداخلية لماي وزير الخارجية بوريس جونسون، ووزير البيئة مايكل غوف، الحائزين شعبية متزايدة في داخل الحزب، والداعيَين إلى تطبيق «بريكست» صارم، كشرط للاستعداد بنحو واضح ومفصّل لاحتمال الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون التوصل إلى اتفاق مع بروكسل (مقر «الاتحاد»).
ومما فاقم صعوبة موقف ماي في الحكومة خلال الأسابيع الماضية، تقديم وزيرين استقالتَيهما، الأول (وزير الدفاع) على خلفية فضيحة تحرش جنسي، والثاني (وزيرة التنمية الدولية) بعد اتهامها بالقيام بدبلوماسية موازية مع إسرائيل من دون علم الحكومة.
وسيكون على رئيسة الحكومة مواجهة بروكسل في وقت لم تشهد فيه المفاوضات حول بنود الطلاق تقدماً، أو شهدت القليل منه، بعد أن أمهل كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي، ميشال بارنييه، لندن أسبوعين لتوضيح التزاماتها حول شروط الطلاق، وما إذا كانت تريد الحصول على ضوء أخضر من بروكسل بحلول نهاية العام من أجل إطلاق المفاوضات التجارية لمرحلة ما بعد« بريكست».
ولكن يبدو أن ماي تريد تجاهل مهلة بارنييه، إذ قال المتحدث باسمها إنها «تعمل في أفق القمة الأوروبية المقررة في 14 و15 كانون الأول المقبل». في المقابل، صدر تقرير برلماني، أمس، حذّر من أن عدم التوصل إلى اتفاق يمكن أن تكون له «آثار كارثية» على المستوى الجمركي.
في السياق، قالت رئيسة «بيزنس يوروب (جمعية أصحاب العمل الأوروبيين)» إيما مارسيغاغليا، لوكالة «بلومبرغ» إنها «سألت وزير البريكست، ديفيد ديفيس، ما إذا كان يعتقد أنّ من الممكن التوصل إلى اتفاق من الآن وحتى القمة الأوروبية، وقال لي إنّ الاحتمالات 50/50»، لكن الوزارة نفت هذه التصريحات.
ومن المتوقع أن يكون الصدام الأول إذا سعى «حزب العمال» إلى إجراء تصويت على تعديل يمدد فترة انتماء بريطانيا إلى السوق الموحدة، والاتحاد الجمركي، وضمن صلاحيات محكمة العدل الأوروبية، خلال المرحلة الانتقالية التي تبدأ مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتستمر لعامين تقريباً.
من جهتها، شددت الحكومة على أن بريطانيا ستكون منفصلة تماماً عن الاتحاد بمجرد خروجها منه في 29 آذار 2019. وأثار هذا الموعد الدقيق الذي أتى بموجب تعديل في القانون اعتراض بعض النواب المحافظين.
أما عمليات التصويت الأكثر توتراً فستجري في الأسابيع المقبلة عندما يسعى النائب المحافظ، أندرو غريفيث، ونواب محافظون آخرون للحد من السلطة التي يمنحها نص القانون إلى الحكومة في مجال تعديل القوانين الأوروبية بالتوازي مع نقلها إلى التشريعات المحلية.
(الأخبار، أ ف ب)