استيقظ العالم، أمس، على أن الملف النووي الإيراني، الذي شهد صولات وجولات، أصبحت نهايته حقيقة، بعدما جعلتها الأيام القليلة الماضية ــ التي حفلت بالتصريحات والاتهامات والتأويلات ــ بعيدة المنال. 109 صفحات تحمل في طيّاتها نجاحاً دبلوماسياً يكلّل سنتين من المفاوضات الصعبة والمكثفة، وتقفل ملفاً معقداً طالما كان سبباً في تأزيم العلاقات الدولية، منذ أكثر من اثني عشر عاماً، ولكنها تفتح في المقابل على واقع جديد وآفاق مختلفة تشارك إيران في صناعتها، بعدما قاتلت للحصول على اتفاق (أبرز بنوده على الموقع) يعني في أبرز ما يعنيه رفع العقوبات عنها، تحت ذريعة طمأنة العالم إلى أنها لن تتمكن من امتلاك قنبلة نووية.
ترحيب وتعبير عن ارتياح حفل بهما يوم أمس، بعدما كانت الأيام الـ18 السابقة مليئة بالغموض والتمديد وباتهامات متبادلة من قبل مختلف الأطراف بعرقلة التوصل إلى ما أعلن عنه، صباحاً، وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ومنسقة الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي فدريكا موغريني. في مؤتمر صحافي مشترك، قالت موغريني إن هذا الاتفاق يعتبر «خطوة كبيرة باتجاه علاقات دولية أفضل». هي اتفقت، أيضاً، مع ظريف على أن «هذا اليوم تاريخي».
«نعلن التوصل إلی خطة العمل المشترك الشاملة، فهي قد تکون نهاية للمفاوضات لکنها ليست نهاية للعمل المشترك»، استأنفت موغريني كلامها، ساعية إلى شرح أهمية اللحظة ومضيفة في الوقت ذاته: «سنواصل هذه المهام الجسيمة وندعو المجتمع الدولي لدعمنا من أجل تنفيذ هذا الجهد التاريخي». موغريني اعترفت بأن «الاتفاق لم يكن سهلاً»، وأشارت في هذا المجال إلى أن «الجهود تضافرت لتجاوز اللحظات الصعبة»، معتبرة أن «الالتزام المشترك بين الأطراف مكننا من التوصل إلی هذا الإنجاز». كذلك أكدت أن «خطة العمل المشترك صفقة متوازنة لمصالح کل الأطراف».
وهي إذ أشارت إلى أن الاتفاق يضمن أن يكون برنامج إيران لتخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية فقط، فقد أضافت أن «ذلك يشير إلى أن التنفيذ الكامل لخطة العمل المشتركة سيسهم، بشكل إيجابي، في السلام والأمن على المستويين الإقليمي والدولي»، لافتة إلى أن «إيران تؤكد مجدداً أنها لن تسعى قط تحت أي ظرف لتطوير أو امتلاك أسلحة نووية».

لافروف: الاتفاق سيزيل «العراقيل» أمام تشكيل «تحالف واسع» ضد «داعش»

وزير الخارجية الأيراني قال، من جهته: «نعلن بفخر واعتزاز توصلنا إلی خطة العمل المشترك الشاملة»، مؤكداً أن «المعطيات التي توصلنا إليها لم تأتِ نتيجة جهد فردي، بل جاءت بجهود جماعية، ونحن نری أنفسنا مسؤولين أمام الأجيال المقبلة». كذلك شدد على أن «القرارات التي اتخذت مصيرية وتمکننا من حل الخلاف الذي دام 10 سنوات». وآثر التأكيد مرة أخرى أن «إيران لم تکن يوماً تسعی إلى امتلاك أسلحة نووية». ظريف لم ينس شكر وسائل الإعلام على صبرها، خلال المفاوضات الطويلة. وبعد قراءة البيان نفسه الذي تلته موغيريني، ولكن بالفارسية، وصف الاتفاق بأنه «ليس مثالياً»، ولكنه اعتبره «أفضل ما كان يمكن التوصل إليه»، مؤكداً أنه «انتصار لكافة الأطراف». بعدها، كتب على موقع «تويتر»، أن الاتفاق ليس سقفاً، بل هو أساس متين يجب أن نبدأ ببنائه. سبق هذا المؤتمر اجتماع بين وزراء خارجية بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة، لاستكمال الاتفاق الذي جرى التفاوض عليه، منذ أكثر من 20 شهراً. وتَبعه ترحيب من كافة الأطراف المفاوضة والمرتبطة بشكل مباشر بالملف. من هؤلاء وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي رأى أن الاتفاق النووي يمثل خطوة للابتعاد عن الصراع والانتشار النووي. وفي مؤتمر صحافي، قال إن «هذا هو الاتفاق الجيد الذي سعينا له».
من جهته، أعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أن مجلس الأمن الدولي سيصدر قراراً، خلال «بضعة أيام»، يصادق فيه على الاتفاق، فيما صرّح مسؤول أميركي بأن مشروع قرار يتضمن الاتفاق النووي سيعرض على مجلس الأمن الدولي «اعتباراً من الأسبوع المقبل».
وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير وصف يوم أمس بـ«التاريخي»، معتبراً أن هذا الاتفاق «سيجلب الأمن للشرق الأوسط والعالم». كذلك أشاد وزير الخارجية البريطاني، فيليب هاموند، بالاتفاق، معتبراً إياه «ضمانة للمجتمع الدولي حول سلمية البرنامج النووي الإيراني».
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ان الاتفاق سيتيح إزالة «العراقيل» أمام تشكيل «تحالف واسع» ضد «داعش» ومجموعات إرهابية أخرى. ورأى أن تطبيع الوضع مع إيران يتيح معالجة «سلسلة من المشاكل والنزاعات في المنطقة»، وسيكون له «تأثير إيجابي على الوضع برمته». كذلك أشار إلى أن «هذا الأمر يقدم خصوصاً حججاً... لإقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط». كما يسمح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالقيام بعمليات تفتيش أوسع. لكن عن هذا الموضوع الحساس المرتبط بإمكانية دخول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية المواقع العسكرية الإيرانية، فقد وافقت طهران على السماح بـ«دخول محدود» إلى بعض المواقع.
وأكد المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو: «أنا واثق من قدرتنا على القيام بهذا العمل المهم. الوكالة الدولية للطاقة الذرية مستعدة للقيام بما يلزم من أعمال المتابعة والتحقق». في المقابل، سترفع العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي على إيران. أما في ما يتعلق بحظر الأسلحة الذي يعتبر من النقاط الحساسة، فسيبقى سارياً لمدة 5 سنوات.
في غضون ذلك، مدّد الاتحاد الأوروبي تعليق العقوبات المفروضة على إيران لستة أشهر. وفي بيان، أوضح أنه «مدّد حتى 14 كانون الثاني 2016 تعليق إجراءات تقييدية» على إيران.
(الأخبار، رويترز، أ ف ب)